الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اتفاق التجار على الشراء من البائع بسعر معين ومنع غيرهم من الشراء

السؤال

اتفق مجموعة من المشترين للسمك على توزيع سمك الصيادين بينهم بالتسلسل، بقيمة شراء محددة، فيقال:"الشروة الآن عند فلان"، فإذا جاء الصياد بالسمك، دخل جميع المشترين في حراج؛ حتى يصل في الآخير عند المشتري الذي "عنده الشروة" بالمبلغ المتفق عليه بينهم، فيضطر الصياد للبيع؛ لعدم وجود مشتر آخر.
فإذا جاء مشتر من غير المجموعة، فأعطى قيمة أكثر، ينكر عليه المشترون، ويقولون له: "الشروة عند فلا،ن وليست عندك، ولا بد أن تدخل معنا في هذا الاتفاق"، علمًا أن سعر السمك يستحق أحيانًا مبلغًا أكثر من القيمة المتفق عليها بين المجموعة، لكن هذا الأسلوب وجدت مجموعة المشترين أنه يحقق لهم أرباحًا أكثر، فما حكم هذا الاجتماع، والالتزام به؟ وما حكم الانخراط فيه؟ وما حكم مخالفته من خارج المجموعة؟ أفيدونا -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالشرع جاء بتحريم كل ما يعود بالضرر، أو التغرير على أي من المتبايعين، سواء أكان البائع أم كان المشتري، فحرّم النجش، وحرّم الاحتكار، وحرّم تلقي الركبان، وحرّم بيع الحاضر للبادي، ونحو ذلك؛ لتحقيق ذلك المقصد.

وطريقة تعامل المشترين مع البائع، وغيرهم من المشترين الآخرين، كما هو مذكور في السؤال، لا تخلو من ظلم للبائع، وظلم للمشترين الآخرين؛ لما في هذه الصورة من احتكار للسلعة بين هؤلاء المتواطئين دون غيرهم.

وفيها شبه بالنجش؛ لأن بعضهم يعرض سعره على البائع، لا ليشتريها، وإنما لترسو بسعر معين على من اتفق معه.

وفيها شبه بتلقي الركبان، وبيع الحاضر لباد؛ لأن هؤلاء المتواطئين ينفردون بالبائع، ولا يسمحون لأحد أن يشتري منه، إلا أن يدخل في تواطئهم.

وقد قرر العلماء باتفاق أن الطائفة التي تختص ببيع وشراء سلعة دون غيرهم، بحيث يمنع غيرهم من بيعها وشرائها، فإنه يجب إلزامهم بشراء السلعة بثمن المثل، وكذلك ببيعها بثمن المثل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: يجب التسعير عليهم، بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل، بلا تردد عن أحد من العلماء؛ لأنه إذا كان قد منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما اختاروا، أو يشتروا بما اختاروا، كان ذلك ظلمًا للخلق من وجهين: ظلمًا للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال، وظلمًا للمشترين منهم.

والواجب إذا لم يمكن دفع جميع الظلم، أن يدفع الممكن منه، فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقة إلزامهم ألا يبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمن المثل. انتهى.

وهؤلاء عندما يتفقون على الشراء من البائع بسعر معين، ويمنعون غيرهم من شراء السلعة منه، قد قصروا بيع السلعة وشراءها على أنفسهم، وهذا ظلم للبائع، وظلم للمشترين منهم، يجب منعهم من ذلك، أو إلزامهم بالشراء والبيع بثمن المثل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعًا من السلع، أو تبيعها، قد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه، فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف، ويزيدون ما يبيعونه بأكثر من الثمن المعروف، وينموا ما يشترونه: كان هذا أعظم عدوانًا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش، ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس؛ حتى يضطروا إلى بيع سلعهم وشرائها بأكثر من ثمن المثل، والناس يحتاجون إلى ذلك وشرائه. انتهى.

وعليه؛ فلا يجوز لهؤلاء أن يتواطؤوا بالطريقة المذكورة في السؤال، ولا يجوز لهم أن يمنعوا غيرهم من الشراء من البائع، وعليهم أن يتركوا عباد الله يرزق الله بعضهم من بعض.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني