الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضمان الأمانات التي سرقت ونهبت في الظروف الاستثنائية

السؤال

عندي مركز صيانة لأجهزة الكومبيوتر وتم اعتقالي من قبل السلطات في سوريا وبعد خروجي وجدت أن المركز قد تم نهبه وسرقته وكان في داخله أجهزة لمجموعة كبيرة من الناس ولا أستطيع التواصل مع أحد من أصحاب الأجهزة، لأن منهم من هو مفقود أو لا يعرف عنه شيء فما هو السبيل لتبرئة الذمة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحكم في ضمانك قيمة هذه الأجهزة يتفرع على كيفية حفظك لها على الصحيح، وههنا احتمالان:‏
‏1ـ إذا كانت الأجهزة غير محرزة في مكان آمن مناسب لحفظ مثلها فيلزمك ضمان قيمتها لأصحابها، فإنه لا خلاف في الجملة بين أهل العلم في تضمين الأجير المشترك في حالة التفريط والتعدي، ومن التفريط ‏حفظها في مكان غير آمن، كتركها في المركز مفتوحا وما ثمة حارس ولا رقيب، فإذا كان الأمر كذلك فالواجب ‏عليك التصدق بقيمة هذه الأجهزة للفقراء والمساكين عن أصحابها، ما دمت قطعت كل سبيل في التوصل إليهم وأمل ‏في العثور عليهم أو على ورثة من مات منهم؛ على أنهم لو عادوا إليك كنت ضامنا لقيمتها لهم، فإذا فعلت ذلك فقد ‏برئت ذمتك ـ إن شاء الله ـ وتعتبر القيمة يوم السرقة لا يوم التسليم، ولك أن تحسم من هذه القيمة ‏أجرة الصيانة والتصليح إن سرقت بعدهما. ‏

2ـ وأما إن كانت الأجهزة محرزة في مكان آمن مناسب لحفظ مثلها ورغم ذلك سُرقت في ظروف استثنائية فعامة الفقهاء ـ إلا ‏ابن أبي ليلى ـ على أن ضمانها على من غصبها لا على الأجير المشترك ـ الذي هو أنت ـ فإن النهب ‏والسرقة في ظروف الحروب الطاحنة الداخلية ليس من جنس السرقة العادية والإتلاف العادي غالبا، الأمر الذي يدركه ‏أصحاب تلك الأجهزة عند ودعها للصيانة، ولا يمكن تحميل الأجير المشترك تبعة ما لا يملك دفعه ومنعه ولا يد له ‏فيه من قريب أو بعيد، فالأصل ألا يجب الضمان إلا بالاعتداء، لقوله تعالى: فلا عدوان إلا على ‏الظالمين {البقرة: 193}.

ولم يوجد التعدي من هذا الأجير، لأنه مأذون له في القبض، والهلاك ليس هو سببا فيه، ولا يسعه عادة دفعه في حالات اضطراب الوضع الأمني العام، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أن الأجير المشترك إذا تلف عنده المتاع بتعد أو تفريط جسيم: ‏يضمن، أما إذا تلف بغير هذين ففيه تفصيل في المذاهب: فالصاحبان ـ أبو يوسف ومحمد ـ والحنابلة اعتبروا التلف بفعله سواء كان عن قصد أو غير قصد، أو بتقصير أو دونه، موجبا للضمان، تابعوا في ذلك ‏عمر وعليا حفظا لأموال الناس، ومثل ذلك إذا كان التلف بغير فعله، وكان من الممكن دفعه كالسرقة العادية ‏والحريق العادي، وإلى هذا ذهب بعض متأخري المالكية، وهو قول للشافعية، ومتقدمو المالكية وزفر ذهبوا إلى عدم ‏التضمين، وهو قول للشافعية أيضا، وذهب أبو حنيفة إلى الضمان إذا كان التلف بفعله، أو بفعل تلميذه، سواء قصد أو لا، لأنه مضاف إلى فعله، ‏وهو لم يؤمر إلا بعمل فيه صلاح، وعمل التلميذ منسوب إليه، وإلى عدم الضمان، إذا كان بفعل غيره، وهو القياس، وذهب ابن أبي ليلى إلى تضمين الأجير المشترك مطلقا في جميع الأحوال.

وللمزيد في بيان مذاهب أهل العلم في الأجير المشترك وتضمينه انظر الفتاوى التالية أرقامها: ‏14393‏، ‏131438‏، ‏60875‏، ‏101987‏.‏

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني