الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم حضور احتفالات وأعياد غير المسلمين لرؤية ألعابهم

السؤال

هل يجوز لي الخروج من البيت لمشاهدة الألعاب النارية التي يقوم بإطلاقها الجيران، أو غيرهم من غير المسلمين بمناسبة عيد رأس السنة الصينية؟ حيث إني في بلد مسلم به الكثير من الصينيين الكفار الذين يحتفلون بأعيادهم بشكل لافت للنظر، علماً أن الجيران مثلاً قد يكونون أيضاً خارج بيوتهم لمشاهدة الألعاب النارية، فأخشى أن يظنوا أنني أشاركهم بهجتهم وفرحتهم في عيدهم، حيث إنهم يرونني وأصدقائي نخرج لمشاهدة الألعاب النارية. وهل يجوز مشاهدة هذه الألعاب النارية إذا كان المكان الذي نجلس فيه خالياً (سواء أمام البيت أو أي مكان آخر ليس في أناس) وأقصد تحديداً في أعياد الكفار كليلة رأس السنة الصينية، أو النصرانية؟
جزاكم الله تعالى خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز للمسلم مشاركة غير المسلمين في مثل أعيادهم هذه؛ وراجع في ذلك الفتويين: 26883، 41447. ومن جملة الأدلة على ذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. [الفرقان: 72]. كما سبق بيانه في أولى الفتويين.

وقال ابن عطية في (المحرر الوجيز): ويَشْهَدُونَ في هذا الموضع ظاهر، معناها يشاهدون ويحضرون، والزُّورَ كل باطل زور، وزخرف. اهـ.
وقال البيضاوي في (أنوار التنزيل): {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لا يقيمون الشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب؛ فإن مشاهدة الباطل شركة فيه. اهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره: والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه؛ ولهذا قال: {وإذا مروا باللغو مروا كراما} أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا، ولم يتدنسوا منه بشيء؛ ولهذا قال: {مروا كراما}. اهـ.
وقال الشوكاني في (فتح القدير): والحاصل أن يشهدون إن كان من الشهادة، ففي الكلام مضاف محذوف، أي: لا يشهدون شهادة الزور، وإن كان من الشهود والحضور، كما ذهب إليه الجمهور، فقد اختلفوا في معناه، فقال قتادة: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم. وقال محمد بن الحنفية: لا يحضرون اللهو والغناء. وقال ابن جريج: الكذب. وروي عن مجاهد أيضا. والأولى عدم التخصيص بنوع من أنواع الزور، بل المراد الذين لا يحضرون ما يصدق عليه اسم الزور كائنا ما كان {وإذا مروا باللغو مروا كراما} أي: معرضين عنه غير ملتفتين إليه .. اهـ.
وبهذا يتبين حكم حضور هذه الاحتفالات والخروج لمشاهدتها. ولا يخفى ما في ذلك من تكثير سواد أهل الباطل، والتعرض للسخط النازل عليهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجب إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فقالوا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: نعم فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

وهذا الحديث يدل على حرمة ممالأة أهل الباطل وتكثير سوادهم، ولو من غير مشاركتهم في اعتقادهم ومرادهم، وأفعالهم.

قال النووي: في هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم، ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا. اهـ.
وقال ابن حجر: قال المهلب: في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا، أن العقوبة تلزمه معهم. اهـ.
وأما مجرد رؤية هذه الألعاب دون حضور، كرؤيتها من نافذة البيت، أو عبر وسائل الإعلام، فلا يحكم بحرمتها، وإن كان الامتناع عن ذلك أولى، وخير لصاحبه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني