الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل عدم ابتلاء العبد دليل على عدم رضا الله عنه

السؤال

لا أجد مشاكل في حياتي أبداً، وكل مشكلة أدخل فيها يخرجني منها الله على خير، وليس على خير فقط وإنما خير كبير، وواضح حتى في العثرات المالية التي أصبحت عند الناس شيئا عاديا، يخرجني منها الله بكرم. وحتى في التعليم أكرمني الله بشهادة وتقدير أعلى مما كنت أتوقع، وحتى المرض أخرج منه بصحة جيدة، ولا أتذكره بعدها، ويرزقني الله بالطرق الصحيحة في العلاج، وينجيني من طرق كانت ستتعبني وتضرني، أو حتى تقتلني. الله أعلم. وحتى مكانتي بين الناس، الحمد لله لي قدر عال من الحب، وأتمتع بمكانة عالية، وحب كبير من الناس، وكذلك إحساس حب الصداقة، يرزقني الله دائماً بالأصدقاء الأوفياء المخلصين، الذين يهتمون بمشاعري لدرجة كبيرة وكأنهم إخوتي، وحتى شريكة الحياة الزوجة رزقني الله بمن أعتقد أنها مخلصة، وتحترم شخصيتي، ومن باب الصدفة، وبطريقة لم تكن تخطر لي على بال.
لا أحسد نفسي، وأعلم أن دوام الحال من المحال، ويمكن أن يختبرني الله بشيء كبير على طاقتي، وأن خروجي من المشاكل رحمة من الله بي، ورأفة بحالي، ولكن أخشى أن يكون ذلك من علامات عدم رضا الله علي، فقد سمعت أن من يحبه الله يبتليه ليصبر، فينال جزاء الله ورضاه عليه في الآخرة. وأن من يريد الله به الخير في الآخرة يتعبه في الدنيا كي يكفر عن ذنوبه، ومن يريد الله أن يعذبه يجعله مترفا في الدنيا، ولا يتعب فيها حتى ينال عقاب الله في الآخرة.
فهل ما أنا فيه يمكن أن يكون معناه كذلك، وأن الله يريد أن يعذبني لذنب فعلته ولم أتذكره، فيريحني في الدنيا ليعذبني في الآخرة؟ أعلم أنه لا يوجد أحد يعرف جزاء شخص ومكانته عند الله، ولكن أريد أن أعرف هل من أحاديث نبوية، أو آيات قرآنية تريحني في ذلك السؤال؛ لأني أريد لو كنت أفعل شيئا غلطا، أو كان ما أنا فيه علامة سيئة أن أحاول البحث في حياتي عن شيء فعلته أغضب الله مني، وأتوب، وأبتعد عنه حتى أستغل فرصة الحياة لتنفيذ ما يرضي الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن العبد لا يخلو من ابتلاء في هذه الحياة الدنيا، شعر أم لم يشعر؛ قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الكهف:7}. وقال: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}، وقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا {هود: 7}.

فأخبر سبحانه أنه خلق العالم العلوي، والسفلي، وقدر أجل الخلق. وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار. وهذا الابتلاء إنما هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر، والسراء والضراء، فالابتلاء من النعم من الغنى، والعافية، والجاه، والقدرة، وتأتي الأسباب أعظم الابتلاءين، والصبر على طاعة الله أشق الصبرين. عدة الصابرين.
والابتلاء بالضراء وإن كان من علامات محبة الله لعبده، إلا أن التلازم بينهما ليس ضروريا. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 148457
وإذا تقرر هذا، فإن معيار التفاضل بين الناس هو تقوى الله عز وجل، والالتزام بطاعته على كل حال، في السراء والضراء.

وقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد: هل عدم مرض الإنسان دليل على أن الله لا يحبه؛ لأن الله إذا أحب العبد ابتلاه؟
فكان الجواب: لا يقال هذا، فالمهم هي الأعمال الصالحة، فإذا كان الإنسان في صحة وعافية، وعلى أعمال صالحة، فهذا هو مناط المحبة، فإن مناط المحبة هو العمل الصالح: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. من شرح سنن أبي داود.

وانظر الفتوى رقم: 66282
وأخيرا نوصيك بإدامة محاسبتك لنفسك، والنظر في حق الله عليك، ودوام شكره على نعمه العظيمة.

وراجع بشأن ذلك الفتاوى أرقام: 3226، 73497، 167723، 73736، 120375

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني