الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يطاع الوالدان بتأخير النكاح لغاية انتهاء دراسته

السؤال

أنا طالب عمري 19 سنة, بعد خمسة أشهر سوف أنهي سنتي الأولى من سنوات الطب التي مجملها ست سنوات, وأنا أتعلم الطب في رومانيا، وليس فيها تقدير لحرمة الدين، ولا للعفة والطهارة، أي أن المعاصي منتشرة فيها بكثرة، وهناك الكثير من الفواحش التي يغرق فيها الطلاب المسلمون، وأحد أسباب هذا الانحراف هو التعب النفسي الذي يصيب الطلاب من الدراسة، والوحدة، وتوفر هذه الأشياء بكثرة - والحمد لله على كل حال - فهذا هو شهري الرابع في هذه الدولة, وأنا ملتزم، ومؤمن برب العالمين - والحمد لله - لكني أخاف كثيرًا من هذه المعاصي، وهذه الفتن، وبالأخص عندما أشعر بالوحدة، والتعب النفسي من الدراسة، وسؤالي لكم بعدما تقدم: هل الزواج خلال فترة التعليم يعيق -كما أسمع - أو يقلل من المستوى التعليمي؟ وهل ما سأقدم عليه خطأ؟ إضافة لما ذكرته، فأنا بطبعي لا أستحيي من الحق, فقد فاتحت والديّ بالموضوع، وكان ردهما الرفض، والتعليل بأن ظروف التعليم لن تناسب الزواج أبدًا, على الرغم أني شرحت لهما الحال هنا، وكان مجمل حديثي أني خائف كل الخوف من الزيغ، وأن أنزلق كما انزلق الكثير من الشباب, ولو ذكرت لكم حال شبابنا - الشباب العرب المغتربين - لأبكت العيون، ولكني أيضًا بطبعي لا أكترث لتصرفاتهم أبدًا، فبعد أن كان أبناء جلدتك - أبناء الإسلام – من رواد المساجد، ومن الناس التقاة، أصبحت العيون تبكي لأحوالهم.
أنا أعلم أن الحل إذا لم تتيسر أمور الزواج هو الاستعفاف، وبقدر ما أوتيت من صحة وعافية سأكون عفيفًا, ولكن الإنسان بطبعه لين القلب، تغره المنكرات، ولا أضمن أني سوف أكمل سنواتي الست على هذا الحال، والرسول صلوات الله وسلامه عليه حذر من فتنة النساء، وحذر من عظمها، وأنا خائف – والله - وأتمنى من الله أن أجد الحل المناسب في إقناع والدي اللذين يستهتران بهذا الموضوع، ويقولون لي: "إنه من أراد هذا الشيء فإنه سيقدم عليه في بلده أيضًا" مع العلم أنهم لا يعرفون ظروف الغربة - جزاكم الله عنا كل الخير -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبقت لنا فتاوى كثيرة نقلنا فيها ما ذكره العلماء، والدعاة، والمصلحون من خطورة الإقامة في بلاد الكفر، سواء من أجل الدراسة أم غيرها، وبينا أن من يخشى على نفسه الفتنة لا تجوز له الإقامة هنالك أصلًا، وأنه تجب عليه الهجرة إلى بلاد الإسلام، فضع هذا عين الاعتبار، وراجع فتاوانا: 2007 - 51334 - 144781 - 108355. هذا أولًا.

ثانيًا: في الزواج خير عظيم، ومن أعظم ما فيه إعفاف النفس، وصيانتها عن الفواحش، ويختلف حكم النكاح باختلاف الناس، وهو واجب في حق من كان قادرًا على مؤنته، ويخشى على نفسه الزنا بتركه، ويمكنك مطالعة الفتوى رقم: 79816 ففيها التفصيل.

ثالثًا: طاعة الوالدين في المعروف واجبة، ولكن ليس من المعروف أن يأمر الوالدان ولدهما بما فيه ضرر على نفسه، وخاصة الضرر في الدين، وإقناعهما قبل الإقدام على النكاح أفضل، ومن أحسن ما يستعان عليهما فيه دعاء الله تعالى، ثم الاستعانة بمن له وجاهة عندهما، فإن اقتنعا فالحمد لله، وإلا فلا حرج في مخالفتهما في هذه الحالة، ولا يعتبر ذلك عقوقًا، وينبغي السعي في إرضائهما بعد ذلك، وانظر الفتويين: 114196 - 76303.

رابعًا: ليس النكاح بمعوق عن الدراسة، أو سبب في الفشل، أو التأثير على المستوى الدراسي دائمًا، ويختلف الأمر في ذلك باختلاف الناس، بل ومنهم من يكون الزواج سببًا في تفوقه، بسبب ما يجد من عون رباني، واستقرار نفسي، ومساعدة من امرأة صالحة.

وفي نهاية الأمر: إذا لم يمكنك النكاح، وخشيت على نفسك الفتنة فتجب عليك الهجرة، واجتهد في البحث عن بلد مسلم تتمكن من إكمال دراستك فيه، وتأمن على نفسك الفتنة فيه، وفي بلاد المسلمين كثير من الخير، ودين المسلم هو أغلى ما عنده، والسلامة لا يعدلها شيء، وقد أحسن القحطاني في نونيته حين قال:

فالدين رأس المال فاستمسك به * فضياعه من أعظم الخسران

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني