الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل للذكر أثناء الصلاة لسبب خارج عنها أثر عليها؟

السؤال

إذا ركع المصلي، أو سجد، وشرد قليلًا، ثم سمع صوتًا ما، ونتيجة الصدمة بهذا الصوت قال: سبحان ربي العظيم ثم تابع، وقالها ثلاث مرات، علمًا أنه كان سيقولها على كل حال، فهل يؤثر على الصلاة؟ فقد قرأت شيئًا مشابهًا مرة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف الفقهاء في بطلان الصلاة بمثل هذه الكلمات، والأقرب الصحة، وهو مذهب جمهور العلماء؛ قال الموفق ابن قدامة في المغني: النوع الثاني: ما لا يتعلق بتنبيه آدمي، إلا أنه لسبب من غير الصلاة، مثل أن يعطس فيحمد الله، أو تلسعه عقرب فيقول: بسم الله، أو يسمع، أو يرى ما يغمه، فيقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] أو يرى عجبًا فيقول: سبحان الله، فهذا لا يستحب في الصلاة، ولا يبطلها، نص عليه أحمد في رواية الجماعة، في من عطس فحمد الله، لم تبطل صلاته، وقال في رواية مهنا، في من قيل له وهو يصلي: ولد لك غلام، فقال: الحمد لله، أو قيل له: احترق دكانك، قال: لا إله إلا الله، أو ذهب كيسك: فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد مضت صلاته، ولو قيل له: مات أبوك، فقال: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] فلا يعيد صلاته، وذكر حديث علي حين أجاب الخارجي.

وهذا قول الشافعي، وأبي يوسف، وقال أبو حنيفة: تفسد صلاته؛ لأنه كلام آدمي، وقد روي عن أحمد مثل هذا؛ فإنه قال في من قيل له: ولد لك غلام، فقال: الحمد لله رب العالمين، أو ذكر مصيبة، فقال: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] قال يعيد الصلاة، وقال القاضي: هذا محمول على من قصد خطاب آدمي. انتهى.

وهل تجزئ عن الواجب من التسبيح، أو التحميد عند من يوجبه - وهم فقهاء الحنابلة -؟ بمعنى لو فزع فسبح، وكان في الركوع، فهل يجزيه عن تسبيحة الركوع؛ لأن الواجب تسبيحة واحدة، كما بالفتوى رقم: 138516، وتوابعها؟

اختلف الفقهاء فيما لو قصد التسبيح الواجب، مع التسبيح للفزع، ونصوا أنه لا يجزئ عن الواجب، إن لم يقصده؛ قال الموفق في المغني: فصل: إذا رفع رأسه من الركوع فعطس، فقال: ربنا ولك الحمد، ينوي بذلك لما عطس وللرفع، فروي عن أحمد أنه لا يجزئه؛ لأنه لم يخلصه للرفع من الركوع، والصحيح أن هذا يجزئه؛ لأن هذا ذكر لا تعتبر له النية، وقد أتى به، فأجزأه، كما لو قال ذاهلًا وقلبه غير حاضر، وقول أحمد يحمل على الاستحباب، لا على نفي الإجزاء حقيقة.

وعلى كل فطالما كررت التسبيح بعدها، فقد خرجت من الخلاف، وصحت صلاتك.

وإذا أتى به في غير موضعه - بمعنى حمد الله في السجود مثلًا - أو نحو ذلك، فهل يسجد للسهو؟ قال ابن قدامة - رحمه الله -: القسم الثاني: ما لا يبطل عمده الصلاة، وهو نوعان:

أحدهما: أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله، كالقراءة في الركوع، والسجود، والتشهد في القيام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وقراءة السورة في الأخريين من الرباعية، أو الأخيرة من المغرب، وما أشبه ذلك، إذا فعله سهوًا، فهل يشرع له سجود السهو؟ على روايتين: إحداهما: لا يشرع له سجود؛ لأن الصلاة لا تبطل بعمده، فلم يشرع السجود لسهوه، كترك سنن الأفعال.
والثانية: يشرع له السجود؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين، وهو جالس» رواه مسلم. فإذا قلنا: يشرع له السجود، فذلك مستحب غير واجب؛ لأنه جبر لغير واجب، فلم يكن واجبًا، كجبر سائر السنن، قال أحمد: إنما السهو الذي يجب فيه السجود، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الأصل عدم وجوب السجود.

النوع الثاني: أن يأتي فيها بذكر، أو دعاء لم يرد الشرع به فيها، كقوله: "آمين رب العالمين" وقوله في التكبير: "الله أكبر كبيرًا" ونحو ذلك، فهذا لا يشرع له السجود؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سمع رجلًا يقول في الصلاة: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، فلم يأمره بالسجود.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني