الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من ذكر تفاصيل نعيم الجنة

السؤال

ما قصدته في الفتوى رقم: 231391 هو: ما الحكمة من ذكر أشياء موجودة في الدنيا، أنها موجودة في الجنة، مثل: الخيل التي من ياقوت، والخيام التي في الجنة من اللؤلؤ ... وسؤالي هو عن الحكمة من ذكر أن هذه الأشياء التي في الدنيا، موجودة في الجنة، مع اختلاف الله أعلم به، فلماذا لم يقل الله ورسوله، ويكتفي بـ: (في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت) فقط، ولماذا تذكر أشياء الدنيا؟ وما الحكمة؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من الحكمة في هذا ترغيب الناس في السعي لاكتسابهم لرضى الله، ودخول جنته، ببيان مفصل عن توفر ما كانوا يحبونه في الدنيا على أحسن وأكمل حال؛ ولهذا فصل في النعيم، ولم يقتصر على كون الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، مع أن هذا حاصل فعلًا، وقد نص القرآن الكريم على أن أهل الجنة يحصل لهم فيها ما يشاؤون، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ {النحل:31}، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {الشورى: 22}، وقال عز وجل: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ {ق: 35}.

قال السعدي: أي: كل ما تعلقت به مشيئتهم، فهو حاصل فيها. اهـ.

وقال عند قوله تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا {الفرقان: 16} أي: يطلبون، وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم، من المطاعم والمشارب ... والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها، حيث شاءوا يصرفونها، ويفجرونها. اهـ.

وقال الدكتور عبد الرزاق الرضواني في أسماء الله الحسنى: كلما انقضى لأهل الجنة نعيم، أحدث لهم نعيمًا آخر لا نفاد له، (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (الطور :22)، (لهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35)، فتحقيق المراد لأهل الجنة علقه الله بمشيئتهم؛ إكرامًا لهم، وإظهارًا لمحبتهم، بعكس الوضع في الدنيا، فتحقيق المراد لأهل الدنيا علقه الله بمشيئته لا بمشيئتهم، ابتلاء لهم، وإظهارًا لإيمانهم؛ ولذلك يقول: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلةَ عَجَّلنَا لهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوما مَدْحُورا) {الإسراء :18}. اهـ.

ومما يذكر هنا من تمني بعضهم ما كان يعرف في الدنيا، ما رواه البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته، واستواؤه، واستحصاده فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء، فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيًا، أو أنصاريًا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني