الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز قول: "يا رب خلاص اصرف عني هذا البلاء"؟ وهل فيها سوء أدب مع الله؟

السؤال

هل يجوز قول: "يا رب خلاص اصرف عني هذا البلاء" فقد تعبت من الدعاء للشعور بشدة الحزن والبلاء، وهل فيها سوء أدب مع الله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب: على العبد مهما اشتد بلاؤه أن يصبر، ولا يتسخط، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 111052.

والمنهي عنه من الشكوى هو الشكوى للخلق، لا الشكوى لله، قال ابن القيم في عدة الصابرين: فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله، فقد شكا من يرحمه إلى من لا يرحمه، ولا تضاده الشكوى إلى الله، كما تقدم في شكاية يعقوب إلى الله مع قوله: فصبر جميل. انتهى.

ومن ذلك قول أيوب ـ عليه السلام ـ كما حكاه القرآن: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {الأنبياء:83ـ 84}.

وقال سبحانه على لسان زكريا عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا {مريم:4}.

فنفس الشكوى لله مشروعة، لا أنها سوء أدب، وأما قول: خلاص ـ فكأن معناه: الآن، أو عاجلاً، وهذا جائز، واستعمال عبارة: أسألك فرجاً عاجلاً غير آجل ـ أسلم، وأبعد عن الاشتباه، وإنما قد يدخل النهي في عبارة: تعبت في الدعاء ـ فهي من الاستعجال المذموم، وراجع الفتوى رقم: 54325.

بل قد تكون سببًا لعدم الإجابة، جاء في مرعاة المفاتيح: قال المظهري: من كان له ملالة من الدعاء لا يقبل دعاؤه؛ لأن الدعاء عبادة حصلت الإجابة، أو لم تحصل، فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة، وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها، فإن لكل شيء وقتًا مقدرًا في الأزل، فما لم يأت وقته لا يكون ذلك الشيء، وإما لأنه لم يقدر في الأزل قبول دعائه في الدنيا، وإذا لم يقبل دعاؤه يعطيه الله في الآخرة من الثواب عوضه، وإما أن يؤخر قبول دعائه ليلح ويبالغ في الدعاء، فإن الله تعالى يحب الإلحاح في الدعاء مع ما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، ومن يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له، فلا ينبغي أن يترك الدعاء، وقال ابن بطال: المعنى إنه يسأم فيترك الدعاء، كالمانّ بدعائه، أو إنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة، فيصير كالمبخل للرب الكريم، الذي لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء.

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 161655.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني