الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل رفع المرأة صوتها على زوجها من سوء الأدب؟

السؤال

هل رفع المرأة صوتها على زوجها يقدح في خلقها، ويُعد من سوء الأدب؟ وإن كان كذلك، فبمَ يُرد على من يستدل علي أنه لا يقدح في خُلقها بحديث: " جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فدخل فقال: يا ابنة أم رومان وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها: ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك، قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، قال: فأذن له فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله، أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فرفع المرأة صوتها على زوجها رعونة وإيذاء، وحق الزوج على زوجته عظيم، كما قررناه في الفتوى رقم: 29957، فلا جرم أن هذا من سوء الأدب، وينافي المعاشرة بالمعروف المطلوبة بين الزوجين، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاوى نور على الدرب فقيل له: ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية؟

فأجاب: نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب ؛ وذلك لأن الزوج هو القوام عليها، وهو الراعي لها، فينبغي أن تحترمه، وأن تخاطبه بالأدب؛ لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما، وأن تبقى الألفة بينهما، كما أن الزوج أيضًا يعاشرها كذلك، فالعشرة متبادلة، قال الله تبارك وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً). اهـ فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها، وأن لا ترفع صوتها عليه، لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت. انتهى وهو ما أفتينا به في الفتوى رقم: 106138، والفتوى رقم: 96544.

وأما الحديث الشريف فليس فيه ما يدل على جواز رفع المرأة صوتها على زوجها؛ لأن الفعل النبوي من الحيلولة بين الصديق وعائشة ابنته إنما وقع بعد ما همَّ الصديق بلطمها، كما تدل عليه رواية سنن أبي داود حيث روى عن النعمانِ بنِ بشير، قال: استأذن أبو بكرِ على النبي صلى الله عليه وسلم، فَسمع صوت عائشةَ عالياً، فلما دخَلَ تناولها ليلطِمَها، وقال: ألا أراكِ تَرْفعَينَ صَوتَكِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجعلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يحجزُهُ، وخرج أبو بكر مُغضَبَاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتُكِ من الرجُلِ؟ " الحديث. حسنه ابن حجر العسقلاني، وصححه الوادعي، وضعفه الألباني.

فليس فيه إقرار لرفع صوت عائشة على سيد ولد آدم، لا سيما وقد أنكره عليها أبوها الصديق بقوله "ألا أراك ترفعين صوتك".

وكذلك استرضاؤه عليه الصلاة والسلام لعائشة بعد خروج أبيها إنما كان إدلالًا بفضله عليها في استنقاذها من لطمة أبيها، كما دلت عليه رواية أبي داود كذلك المتقدم ذكرها، فليس فيه إقرار لرفع الصوت أيضًا، لا سيما وأن الفعل النبوي ـ والتقرير منه ـ لا عموم لهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني