الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الزواج ممن يقيم مشروعا للتكسب منه بقرض ربوي

السؤال

تقدم لخطبتي شاب منذ مدة، لكن تبين أنه بصدد إنشاء مشروع بمشاركة الدولة، ويشترط عليه لإتمامه أخذ قرض من بنك تجاري آخر.
بحث عن بنك إسلامي يموله، لكن البنك الإسلامي الوحيد في بلادنا اعتذر عن ذلك؛ لذا فهو مضطر للاقتراض من بنك ربوي، فهو لم يعد يستطيع التراجع؛ لأنه أنفق ماله كله، وعمره أصبح متقدما للبدء من جديد(40).
هل يجوز الاستناد على القاعدة الشرعية التي تقول بأن الضرورات تبيح المحظورات وأخذ القرض؟
هل أتزوج منه؟ وما هو حكمي في ذلك؟ هل أعتبر آكلة ربا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما مسألة استباحة المحظور عند تحقق الضرورة، فهي قاعدة شرعية صحيحة؛ لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}. وقوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:173}.

لكن موضع الإشكال والبحث هو: هل وجدت الضرورة أم لا؟ فقد يتصور المرء أنه في حال اضطرار وهو ليس كذلك، فمجرد الحاجة لتنمية المال، وفتح المشاريع التجارية، وإنشاء الشركات ونحوه لا يعتبر ضرورة يبيح ارتكاب الحرام.

قال بعض أهل العلم مبينا حد الضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس، أو بالعضو- أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه، ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.
وقال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج، ومحافل الأفراح، والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة، أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات، أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار، ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها، ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى.
وعليه، فإذا وجدت الضرورة التي تقدم بيانها في حالة المسؤول عنه، جاز له الاقتراض عن طريق البنك الربوي. وإن لم توجد الضرورة الشرعية، أو ما ينزل منزلتها، فلا يجوز له ذلك، وليتق الله، وليعلم أن سبل الحلال كثيرة لمن تحراها، ويمكنه أن يبحث عمن يجري معه معاملة تورق مثلا أو نحو ذلك لدفع تلك الحاجة، ومن اتق الله جعل له مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.
وعلى كل لو اقترض بالربا فإن ذلك لا يمنع الزواج به، وحرمة القرض الربوي تتعلق بذمته لا بعين المال، أو ما استهلك فيه. ولا ننصح بفسخ الخطبة لأجل إصراره على ذلك، ولو لم يكن في حال اضطرار إليه، إن كان صاحب خلق ودين فقد يقع المرء في المعصية يستزله الشيطان، ونفسه الأمارة بالسوء، فيتأول لنفسه بالمعاذير وأنه مضطر وهو ليس كذلك. فيبين له الأمر ليكف إن لم يكن مضطرا حقيقة، وفق ما بيناه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني