الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما حكم البحث في مجال إطالة عمر الإنسان البايولوجي؟

السؤال

ما حكم البحث في مجال إطالة عمر الإنسان البايولوجي؟ فتوجد بعض العقاقير التي تجرى دراسات عليها من الممكن أن تغير عمر الإنسان البايولوجي من 60 سنة إلى 20 سنة، وهل الشخص يعتبر آثمًا لو تمنى أن يعيش لمدة طويلة من الزمن بجسد صحي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبغض النظر عن هذا التعبير: (إطالة العمر)، أو مصطلح: علم إطالة العمر: (Life extension science) فالمعتبر في الحقيقة هو مجال البحث فيه، فإن كان مجالًا طبيًا مباحًا، كمكافحة أمراض الشيخوخة، وما يتعلق بذلك في جانب التغذية، واللياقة البدنية، والعناية الخاصة، والعلاجات النافعة ـ فلا حرج في ذلك، وهو من جملة التداوي المشروع، والمرء لا يلام على حرصه، وبحثه عما ينفعه، ويحفظ عليه صحته، بل هذا من المقاصد الشرعية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إن لزوجك عليك حقًّا، ولزَوْرك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا. متفق عليه.

وإن كان الناس قد تعارفوا على استحسان حفظ المال واستثماره، فالصحة أولى بذلك، فهي أنفع للإنسان وأهم، ويشير إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم. رواه ابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.

ولا بأس أن يرغب الإنسان في طول العمر إن اقترن بحسن العمل، بل ذلك مما يستحب؛ وراجع في ذلك الفتويين: 22318، 72766.

وهذا كله بخلاف الأبحاث التي تتعلق بمعالجة آثار الشيخوخة، وإنتاج أدوية مضادة لها، تقي الإنسان منها، وتزيلها بعد حدوثها، وما ينتهي إليه ذلك من الرغبة في (إعادة الشباب)!! فهذا ليس بعلم، وإنما هو حديث خرافة، وخيال يطمح إليه من جهلوا حقيقة الحياة الدنيا ومآلها، وطبيعة خلق الإنسان وأطوارها؛ فقد قال الله عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54].

قال القاسمي في محاسن التأويل: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} أي بالشيخوخة، والهرم. اهـ.

ويدل على عموم هذا قول الله تعالى: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ [يس: 68].

قال السعدي: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} أي: يعود إلى الحالة التي ابتدأ، حالة الضعف، ضعف العقل، وضعف القوة. اهـ.

وقد فصَّل القرآن هذه الأطوار التي لا يخرج عنها أحد من بني آدم، والتي تنتهي إلى أجل محتوم، كما في قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [غافر: 67] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج: 5].

قال البغوي: أرذل العمر، أي: الهرم، والخرف. اهـ.

وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: الرد إلى أرذل العمر هو حصول الإنسان في زمانة، واختلال قوة، حتى لا يقدر على إقامة الطاعات، واختلال عقل حتى لا يقدر على إقامة ما يلزمه من المعتقدات، وهذا أبدًا يلحق مع الكبر، وقد يكون أَرْذَلِ الْعُمُرِ في قليل من السن بحسب شخص ما لحقته زمانة، وقد ذكر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- {أَرْذَلِ الْعُمُرِ} خمسة وسبعون سنة، وهذا فيه نظر، وإن صح عن علي -رضي الله عنه- فلا يتوجه إلا أن يريد على الأكثر، فقد نرى كثيرًا أبناء ثمانين سنة ليسوا في أرذل العمر. اهـ.

ويدل على هذا أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: مثل ابن آدم وإلى جنبه تسعة وتسعون منية، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب. اهـ. وحسنه الألباني.

فالهرم هو مآل من لم تتلفه الأدواء، فهو كالداء الذي ليس له دواء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم. رواه أبو داود، والترمذي، وصححه، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني. وراجع الفتوى رقم: 115454.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 16122.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني