الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سؤال الناس لحاجة النكاح.. رؤية شرعية

السؤال

أنا شاب من الجزائر أبلغ من عمر 37 سنة وأعزب أعمل في مؤسسة براتب ضعيف جدا لا يكفي لطعام شهر وأرغب في الزواج بشدة، ولم أعد أطيق الصبر، وهناك كثير من الأصدقاء يحثونني على الزواج وأخجل أن أقول إنني بسيط ولا أملك حتى ثمن الخاتم، فهل يجوز لي أن أطلب العون أو الصدقة، مع العلم أنني بكامل قوتي وصحتي ولله الحمد؟.
وجزاكم الله كل خيرا، وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يغنيك من فضله، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك عاجلاً غير آجل، واعلم أن الأصل حُرمة سؤال الناس وتكففِهم والتعرض لأعطياتهم، كما بينَّا ذلك في الفتوى رقم: 20195.

ومع ذلك، فقد نص الفقهاء على أن الفقير الذي لا يملك ما يسد حاجته، ولا يقوى على كسب ما يسدها، فإنَّ له أن يسأل الناس ليسد حاجته، قال الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: السؤال حرام في الأصل، وإنما يباح بِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ الضَّرُورَةِ. اهـ.

وقال المُناوي في كتابه فيض القدير: إن احتاج ولم يقدر على كسب لائق جاز سؤالُ الناس بشرط أن لا يذل نفسه، ولا يُلح، ولا يؤذي المسؤول، فإن فقد شرط منها حرم اتفاقًا. اهـ.

ومن الحاجات التي تسوِّغ للفقير سؤال الناس أن يكون محتاجا إلى النكاح ولا يجد امرأة ترضى باليسير، جاء في تفسير القرطبي في قوله الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ـ استعفَفَ: وَزْنُهُ اسْتَفْعَلَ، وَمَعْنَاهُ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ كُلَّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَلَا يَجِدُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَعَذَّرَ أَنْ يَسْتَعْفِفَ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ أَغْلَبُ الْمَوَانِعِ عَلَى النِّكَاحِ عَدَمَ الْمَالِ وَعَدَ بِالْإِغْنَاءِ مِنْ فَضْلِهِ، فَيَرْزُقُهُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ، أَوْ يَجِدُ امْرَأَةً تَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنَ الصَّدَاقِ، أَوْ تَزُولُ عَنْهُ شَهْوَةُ النِّسَاءِ. اهِـ.

وعقَّب الشيخ عبد الكريم الخضير ـ عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ـ على كلام القرطبي الآنف ذكرُه بقوله: من الوجوه الممكنة سؤال الناس مثلاً، هو فقير، ولا يمكن أن يتزوج إلا بأن يسأل الناس، يتكفف الناس يأخذ من الزكوات والصدقات، هل نقول لمثل هذا عليه أن يستعفف؟ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ـ هذا ما وجد يستعفف فقير ما عنده شيء، وإذا بذل أحد له المهر هل يلزمه أخذه أو لا يلزمه، لأن فيه منّة؟ على كل حال إذا كان الدافع إلى النكاح قوي وخشي على نفسه العنت، فليسلك كل مسلك مباح لتحصيله، من زكوات وصدقات وهبات وأعطيات، وتأجير نفسه لأحدٍ يعمل عنده، فعليه أن يبذل ليعفّ نفسه، أما إذا كان الداعي أقل ورغب أن يستعفف حتى يغنيه الله من فضله فمثل هذا لا يلام إن شاء الله تعالى. اهـ.
هذا، وننصحك بعد صدق اللجوء إلى الله تعالى والإلحاح عليه في الدعاء بأن تصوم، فإن الصوم وصية نبوية لمن عجز عن النكاح، فإن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ؛ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. رواه البخاري ومسلم.

ولا نقصد أن تصوم يومًا أو يومين ثم تنقطع، بل نقصد أن تسرُد الصيام لأيام طويلة، وذلك حتى يؤتي الصيام ثمرته من سكون النفس وقطع الشهوة، قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري: وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَزِيدُ فِي تَهْيِيجِ الْحَرَارَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ، لَكِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ، فَإِذَا تَمَادَى عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ سَكَنَ ذَلِك. اهـ.

وللفائدة انظر الفتوى رقم: 128828.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني