الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى إجابة أو استجابة الدعاء

السؤال

قال رسول الله: ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه ـ الراوي: مالك ابن أنس المحدث: ابن عبدالبر، حكم المحدث: محفوظ، من هذا الحديث نستنتج أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بين معنى: إجابة الدعاء ـ وبين ادخار الإجابة، كما يقول العلماء إن معنى إجابة الدعاء هي إحدى ثلاث: إما تعجيلها له في الدنيا، أو ادخارها له في الآخرة، أو يكفر عنه من ذنوبه، باستدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه ذنوبه بقدر ما دعا... أخرجه أحمد في مسنده، فمن الحديث الأول نستنتج أن إجابة الدعوة هي إذن الله لك بأخذها في الدنيا وتعجيلها في الدنيا، وهذا هو أصل معنى الإجابة الذي فصله النبي صلى الله عليه وسلم عن الخيار الثاني، وهو ادخار الإجابة، وفي الحديث الثاني: يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أحوال الناس بعد إجابة دعائهم بعد إذن الله لهم بإعطائهم ما دعوه، فمنهم من يأخذها، وكأنها مقيدة بشروط، ما لم يأت بها الداعي، فإنه أمام الخيارين الآخرين، إما الادخار للآخرة أو تكفير ذنوبه، وهذا ما فهمته من الجمع بين هذين الحديثين وبحثت كثيرا عن معنى الإجابة، وكل العلماء قالوا إن معنى الإجابة هو ما ذكر في الحديث الثاني، وهذا يتناقض مع ما ذكر في الحديث الأول، فكيف للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في قمة البلاغة وأوتي جوامع الكلم أن يفصل: ادخار الإجابة، عن معنى الاستجابة في الحديث الأول، ويدرجها ضمن معنى الاستجابة في الحديث الثاني؟ أرجو من السادة العلماء في هذا الموقع المبارك إفادتي وتوضيح ما أشكل علي من فهمي لهذين الحديثين ... وهل تسرع العلماء في الحكم على معنى إجابة الدعاء لاهتمامهم بحديث وإغفالهم الحديث الآخر؟ أم أنني أنا الذي أخطأت الفهم؟.
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا يوجد تناقض ولا تعارض، ولم يتسرع العلماء في الحكم، وإنما تسرعت أنت حيث لم تقف على الروايات المرفوعة للحديث، ولم تميزها عن الروايات التي جاءت موقوفة وليست مرفوعة، وخلطت بينها ثم أوجدت هذا التناقض المزعوم. وبيان ذلك أن اللفظ الأول الذي ذكرته ورواه ابن عبد البر: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له... سند هذا اللفظ كما رواه ابن عبد البر لفظه موقوف على زيد بن أسلم، وهو تابعي، فليس هذا اللفظ مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقال تعارض وإشكال وتسرع... إلخ، والألفاظ المرفوعة الصحيحة جاء بعضها بلفظ: إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ ـ كما في رواية الإمام أحمد والطبراني وأبو يعلى، وعند البخاري في الأدب المفرد: إلا أعطاه إحدى ثلاث ـ وكلها لم يذكر فيها لفظة الاستجابة رأسا على نحو ما ذكرت، لكن جاء في بعض المرفوع بلفظ: إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا ـ كما عند الترمذي، وهذه بينت أن الاستجابة تكون بواحدة من الثلاث المذكورة في الحديث المرفوع، فكلها تعتبر استجابة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني