الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في من مات وفي ذمته زكاة

السؤال

شخص ـ رحمه الله ـ كان يقول لزوجته: إنه هو المستحق للزكاة، وذلك لما كانت تقول له: عليك بإخراج الزكاة؛ لأن أمواله بلغت النصاب، وفى مرة قالت له: سوف أقول لأبنائك أن يخرجوا الزكاة مما سيرثونه، فقال لها: لا تفعلي ذلك ولا تجعليهم يضيعون أموالهم، ومن بعدها حينما تسأله يقول لها: أنا أخرج الزكاة، فلما تخبره هي عن شخص مستحق لها لا يعطيه، أو يقول مازحا: أنا من يستحقها، ولما يقول له إخوته عن مستحق لها لا يعطيه أيضا، ويقول: إنه هو يخرجها، كانت أخته الكبرى توصيه بإخراجها وكذلك ابنه الأكبر، فيقول: أنا أخرجها مع أنه لا أحد يراه يخرجها.
الآن ورثته مستعدون لإخراج الزكاة عنه خلال مدة العشرين عاما التي بلغ ماله فيها النصاب؛ إن كان ذلك يخفف عنه من عقاب الله، فما آراء الفقهاء في ذلك؟
أرجو التوضيح بالتفصيل، مع توضيح: إذا كان مستحبا أو واجبا إخراجها عليهم لتخفيف العقاب عنه عن أي مدة يخرجونها؟.
وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فما دام أن الرجل المشار إليه كان يدعي أنه يخرج الزكاة فهذا كاف، ولا يطالب الورثة بإخراجها لمجرد شكهم في كونه كان يخرجها، والأصل صدق المسلم لا كذبه، وإن ثبت أنه لم يكن يخرجها ـ كأن شهد عليه عدول بأنه أخبرهم أنه لم يخرجها ـ فقد اختلف الفقهاء في إخراجها من التركة بعد موته، فمنهم من قال بوجوب إخراجها، ومنهم من قال لا تخرج ، جاء في الموسوعة الفقهية: 1ـ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دُيُونَ اللَّهِ لاَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بَل تَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى كَدُيُونِ الآْدَمِيِّ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ الْحَجُّ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ ... وَقَدِ اسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِعَدَمِ سُقُوطِ دَيْنِ اللَّهِ بِالْمَوْتِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُول اللَّهِ؛ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَال: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَال: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ، وَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ رَجُلاً قَال: يَا رَسُول اللَّهِ؛ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَال: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ.... 2ـ وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ أَسْبَابِ سُقُوطِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا لَمْ يُوصِ بِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ صَلاَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ عَنْهُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ لاَ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلاَ يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ أَوِ الْوَارِثُ بِالأدَاءِ مِنَ التَّرِكَةِ؛ لأِنَّ دَيْنَ اللَّهِ عِبَادَةٌ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِنِيَّةِ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوصِ فَقَدْ فَاتَ الشَّرْطُ بِمَوْتِهِ فَلاَ يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِلتَّعَذُّرِ... 3ـ وَالأْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ يُسْقِطُ مَا عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ فِي أَحْوَالٍ ثَلاَثَةٍ وَهِيَ:

أ - إِذَا أَوْصَى بِهَا.

ب - إِذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا بِذِمَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا.

ج - إِذَا تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ كَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ . اهــ مختصرا .

وإذا أراد الورثة ـ عند شكهم في صدقه ـ إخراجها احتياطا لخوفهم على مورثهم من العذاب فلهم ذلك، وتكون تبرعا منهم، ولكن لا تُخرج إلا من نصيب البالغ الرشيد، فإذا وُجِدَ في الورثة من هو صغير أو بالغ غير رشيد لم تخرج الزكاة من نصيبهم.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني