الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قد يجازى الإنسان على بعض سيئاته في الدنيا

السؤال

هل الله -عز وجل- له التصرف الكامل فينا نحن أنفسنا أم "بل الإنسان على نفسه بصيرة"، وسيحاسب حسبما عمل، وتركنا نعمل كي نجد حسابا في الآخرة، ولكننا لن نعذب بسيئات في الدنيا, وإنما تساق أعمالنا للآخرة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الخلق كلهم مملوكون محكومون بقدرة الله، فلا يقع من عباده إلا ما سبق علم الله وقضاؤه به, وقدره عليهم, وهو خالقهم, وخالق أفعالهم؛ كما قال تعالي: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96}، ولكن الله تعالى قد خلق للعبد إرادة, ووهبه مشيئة، بها يكتسب عمله، ويحاسب عليه، وقد يبتلي الله عباده في الدنيا بسبب ذنوبهم، ويعاقبهم, ويذيقهم بعض الجزاء على سيئاتهم قبل الآخرة، فيصيبهم بالبأساء والضراء لعلهم يذكرون, فينيبون إليه, ويتوبون, ويضرعون, ويلتجئون إليه، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ {الأنعام:42}، قال الطبري: أي: امتحناهم بالابتلاء ليتضرعوا إلي، ويخلصوا لي العبادة، ويفردوا رغبتهم إلي دون غيري، بالتذلل لي بالطاعة، والاستكانة منهم إلي بالإنابة. اهـ

وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41}, وقال الله تعالي: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ {الرعد: 34}، وقال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21}, قال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى: مصائب الدنيا, وأسقامها, وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه.
وفي الحديث: إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود, وصححه الألباني.

وفي الحديث: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين, وشدة المؤنة, وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم, فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه البيهقي, والحاكم, وصححه الألباني في صحيح الترغيب.

وروى أحمد، والترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.

وأما قوله تعالي: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {القيامة:14}، فقد قال فيه الجصاص: روي عن ابن عباس أنه قال: "شاهد على نفسه", وقيل: "معناه: بل الإنسان على نفسه من نفسه بصيرة؛ جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة" اهـ.

وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4054، 8652، 79824، 116993.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني