الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين وجوب إعفاء اللحية وبين كونها من الفطرة

السؤال

استفسار حيرني: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم، وقال -عليه الصلاة والسلام-: عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط ... إلى آخر الحديث.
في الحديث الأول: كان الفعل أمرا, أي: يجب علينا الصبغ والمخالفة, ومع ذلك فإن هناك بعض الصحابة لم يصبغوا، ولم يكن هناك حرج, وقد جاءت أحاديث كثيرة عن إرخاء اللحية، وكلها أمر, فبذلك أصبحت علينا واجبة.
أما في الحديث الثاني: فإن السواك أو نتف الإبط أو ما شابهها ليس فرضا أو واجبا, فبذلك هل يكون إعفاء اللحية واجبة؟ رغم أنها مقارنة مع السواك أو نتف الأبط (من الفطرة).
أتمنى أن تكون فكرتي قد وصلت, وعذرا على الإطالة.
فسؤالي هو: لماذا حلق اللحية حرام بعد المقارنة بين هذين الحديثين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالاستشكال الأول المتعلق بالأمر بمخالفة اليهود والنصارى، قد سبقت الإجابة عنه في الفتوى رقم: 25544، فراجعها.

وراجع أيضًا الفتوى رقم:35814 لمزيد الفائدة.

وأما الاستشكال الثاني: وهو أن إعفاء اللحية ذكر مع سنن الفطرة في حديث عائشة الذي أخرجه مسلم، وغيره، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: « عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ ... إلخ، وسنن الفطرة كلها مستحبات فينبغي - قياسًا عليها، ومقارنة بها - أن يكون مستحبًّا، وليس بواجب، فالجواب عنه: أن هذا الاستدلال مبني على ما يعرف عند الأصوليين بـ"دلالة الاقتران" وهي: ليست حجة عند أكثر أهل العلم، فقد جاء في إرشاد الفحول للشوكاني: وأنكر دلالة الاقتران الجمهور فقالوا: إن الاقتران في النظم لا يستلزم الاقتران في الحكم. واحتج المثبتون "لها" بأن العطف يقتضي المشاركة، وأجاب الجمهور: بأن الشركة إنما تكون في المتعاطفات الناقصة، المحتاجة إلى ما تتم به، فإذا تمت بنفسها فلا مشاركة، كما في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} 3 فإن الجملة الثانية معطوفة على الأولى، ولا تشاركها في الرسالة، ونحو ذلك كثير من الكتاب والسنة، والأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه، ولا يشاركه غيره فيه، فمن ادعى خلاف هذا في بعض المواضع فلدليل خارجي، ولا نزاع فيما كان كذلك، ولكن الدلالة فيه ليست للاقتران، بل للدليل الخارجي. اهـ.

وجاء في البحر المحيط للزركشي -ردًّا على القائلين بحجية دلالة الاقتران- : وَيَدُلُّ على فَسَادِ هذا الْمَذْهَبِ: قَوْله تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ وَاَلَّذِينَ معه أَشِدَّاءُ على الْكُفَّارِ} فإن هذه الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ على ما قَبْلَهَا، وَلَا تَجِبُ لِلثَّانِيَةِ الشَّرِكَةُ في الرِّسَالَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {كُلُوا من ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ} وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ دُونَ الْأَكْلِ، وَالْأَكْلُ يَجُوزُ في الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْإِيتَاءُ لَا يَجِبْ إلَّا في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ في كل كَلَامٍ تَامٍّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِحُكْمِهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فيه الْأَوَّلُ، فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ هذا في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَلِدَلِيلٍ من خَارِجٍ لَا من نَفْسِ النَّظْمِ. اهـ.

وعلى هذا؛ فاقتران ذكر اللحية بغيرها من المستحبات لا يدل على عدم وجوب إعفائها، ويتأكد ذلك بورود أدلة خارجية على الوجوب. وانظر بعض تلك الأدلة في الفتوى رقم: 14055.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني