الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تخصيص أحد الأبناء بهبة مقابل إعانته لوالدته

السؤال

كانت أمي تملك قطعة أرضية مناصفة مع أخواتي البنات، وساهمت بتغطية المصاريف المالية كاملة في بناء منزل على تلك الأرض.
هل يجوز لأمي هبتي نصيبا من البيت كالنصف؟
وهل هناك من جور على إخواني علما أن المنزل باسم الوالدة؟
وهل من واجبي المطالبة بنصيب تفاديا للنزاعات؟
علما أني حين كنت أعطي والدتي المال لم أكن أناقشها أو أطلب منها أي نصيب، بل هي من كانت تعدني بهبتي البيت كله ولم أكن أوافق خوفا من الإثم؟.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل أنه يجب على الوالد أن يعدل بين أبنائه في العطاء، ولا يجوز أن يخص أحدهم بهبة دون مسوغ شرعي، وهو من الجور المحرم، فعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: «ألك ولد سواه؟»، قال: نعم، قال: فأراه، قال: «لا تشهدني على جور»، وفي رواية: قال صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. أخرجه البخاري ومسلم. وانظر بيان هذا في الفتوى رقم: 6242.

لكن إن كان هناك مسوغ يقتضي التخصيص فلا حرج فيه، قال ابن قدامة: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه، ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل أو التخصيص على كل حال؛ لكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستفصل بشيرا في عطيته والأول أولى إن شاء الله؛ لحديث أبي بكر ـ يعني ما جاء من أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ نحل عائشة ابنته جذاذ عشرين وسقا، دون سائر ولده ـ، ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها، كما لو اختص بالقرابة. اهـ. من المغني .

وقال القاضي فيصل آل مبارك الحنبلي : أما لو فضل ذا الحجة أو الطاعة أو البار به على الغني، أو العاصي، أو العاق، فلا كراهة، وإنما كره عند عدم العذر لما فيه من إيحاش المفضل عليه، وربما كان سببًا لعقوقه. اهـ. من تطريز رياض الصالحين .

ومن المسوغات فيما يظهر لنا: كون الابن يهدي لوالده ويعينه على البناء ونحوه، فيجوز أن يخصه حينئذ بما يقابل إعانته له، من باب المكافأة، كما بيناه في الفتوى رقم: 153809.

وبناء على هذا: فلا حرج في أن تهبك والدتك من البيت أو غيره بما يوازي ما أعطيتها من مصاريف ونحوها، وليس في هذا جور على بقية أبنائها.

وإذا رضي بقية الأبناء بتخصيصك بالهبة فلا إشكال في جواز ذلك مطلقا؛ لأن الحق لهم في المنع من التخصيص، جاء في كشاف القناع: (وله) أي: لمن ذكر من الأب والأم وغيرهما (التخصيص) لبعض أقاربه الذين يرثونه (بإذن الباقي) منهم لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العداوة وقطيعة الرحم وهي منتفية مع الإذن. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني