الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شراء منتجات من يحاربون المسلمين هل يعد من المظاهرة لهم على المسلمين

السؤال

أولا: أود شكركم على موقعكم المفيد جدا، وجعله الله في ميزان حسناتكم.
سؤالي هو: لو اشتريت مما فيه شبهة دعم اليهود مثل بيبسي، أو ماكدونالدز، أو ستار بكس، وغيرها. ما حكمي هل هذا دعم لليهود؟ كلنا نعلم أن من نواقض الإسلام مظاهرة الكفار والمشركين، ومعاونتهم على المسلمين والمؤمنين. فهل هذا يأخذ حكمه؟
وأيضا لو طلب مني شراء هذه الأشياء، أو أشياء عليها صور ذوات أرواح مثلا هل آثم؟ أو لو طلب مني شراء طعام، وأنا أرى الجميع قد شبعوا، أي أن هذا الطعام الأخير اشتروه وهم يريدون أن يشبعوا فوق المعتاد. فهل آثم؟ وأخيرا لو طلب مني والدي تشغيل التلفاز، وأنا متأكد أنه سيشاهد ما يحوي محرما كالموسيقى مثلا. ما الحكم؟ وهل عند تشغيلي التلفاز أكون بمثابة مصور الصور التي على التلفاز؛ لأنني تسببت في ظهورها هنا، وهي لم تكن هنا أي تسببت في ظهور صور جديدة؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل العام: أن التعامل مع الكفار بيعا وشراء مباح، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود، ففي الصحيحين عن عبد الله -رضي الله عنه-، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود: أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. وفي الصحيحين عن عائشة، قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما بنسيئة، فأعطاه درعا له رهنا.

لكن إن رأى أهل الحل والعقد المصلحة في مقاطعة بعض الجهات، وعدم التعامل معهم كسرا لشوكتهم، فينبغي للمسلمين المقاطعة. كما بيناه في الفتاوى أرقام: 3545 ، 180471، 185981.

فحيث لم يثبت إعانة الجهات المذكورة لليهود، ولم يقرر أهل الرأي من العلماء وجوب مقاطعتهم، فإن الشراء منها يبقى على أصل الإباحة والإذن، وعلى كل حال لو فرض أن هذه الجهات تدعم اليهود، فلا يعد مجرد التعامل التجاري معها بالبيع والشراء من مظاهرة الكفار على المسلمين البتة. وراجع حول معنى مظاهر الكفار وحكمها الفتوى رقم: 278680 .

وأما شراء ما فيه صور ذوات أرواح: فليس بمحرم، لكن إذا كانت الصور محرمة فيجب طمسها، وأما تشغيل التلفاز: فإن علمت أن من تشغله له سيشاهد محرما، وينظر إليه نظرة محرمة، فلا تشغله لئلا تعينه على المعصية، وانظر الفتوى رقم:214465 .

وأما قولك: ( لو طلب مني شراء طعام، وأنا أرى الجميع قد شبعوا، أي أن هذا الطعام الاخير اشتروه وهم يريدون أن يشبعوا فوق المعتاد. فهل آثم؟ ) فإن الزيادة على الشبع، مختلف في حرمتها بين العلماء. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: في الفتاوى الهندية: الأكل على مراتب: فرض: وهو ما يندفع به الهلاك، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى. ومأجور عليه: وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما، ويسهل عليه الصوم. ومباح: وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن، ولا أجر فيه، ولا وزر، ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل. وحرام: وهو الأكل فوق الشبع، إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف، فلا بأس بأكله فوق الشبع. وقال ابن الحاج: الأكل في نفسه على مراتب: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه. ومحرم. فالواجب: ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه؛ لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به، فهو واجب. والمندوب: ما يعينه على تحصيل النوافل، وعلى تعلم العلم، وغير ذلك من الطاعات. والمباح: الشبع الشرعي. والمكروه: ما زاد على الشبع قليلا، ولم يتضرر به. والمحرم: البطنة. وهو الأكل الكثير المضر للبدن.

وقال النووي: يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه. وقال الحنابلة: يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه. وفي الغنية: يكره مع خوف تخمة. ونقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة، كما نقل عنه تحريمه.اهـ.

والمختار عندنا كراهته، ما لم يفض إلى ضرر، فإذا أفضى إلى ضرر حرم، كما في الفتوى رقم: 256825. فعلى هذا، فيجوز أن تشتري الطعام لمن سيأكله زيادة على شبعه، إلا إذا علمت أن سيتضرر بذلك، فحينئذ عليك أن تكف عن الشراء حتى لا تعينه على المحرم.

وأما قولك : ( وهل عند تشغيلي التلفاز أكون بمثابة مصور الصور التي على التلفاز؛ لأنني تسببت في ظهورها هنا، وهي لم تكن هنا أي تسببت في ظهور صور جديدة؟) فإن من يشغل جهاز التلفاز ليس له حكم مصور الصور المعروضة بها، وراجع حول الصور في التلفاز الفتوى رقم: 239239 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني