الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المزاح الذي يسمى (المقالب) بين الأصحاب

السؤال

بارك الله فيكم.
هل تجوز المقالب بين الإخوة، وأخذ أمتعتهم خفية من باب المزاح، إذا كانت بينهم محبة؟
ولقد قرأت كلاما لابن حجر -رحمه الله- يوحي بجواز ذلك، مستدلا بأدلة؟
فهل لكم أن تنقلوها لي، وتبينوا لي وجهة نظركم إن كنتم تخالفونه الرأي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما نسبه السائل لابن حجر من جواز المزاح على الهيئة المذكورة في السؤال، لم نقف عليه، فحبذا لو أتانا السائل بكلام ابن حجر في هذه المسألة لنعلم حقيقته، والذي وقفنا عليه هو أن ابن حجر قد ذكر في فتح الباري ضوابط الممازحة المباحة حيث قال: المنهي عنه ما فيه إفراط، أو مداومة عليه؛ لما فيه من الشغل عن ذكر الله، والتفكر في مهمات الدين، ويؤول كثيرا إلى قسوة القلب، والإيذاء، والحقد، وسقوط المهابة والوقار، والذي يسلم من ذلك هو المباح. فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب، ومؤانسته، فهو مستحب. انتهى.
وكثير من الأدلة الشرعية على حرمة ترويع المسلم بأخذ ماله، وإخفائه على وجه المزاح "مثل الحالة المسؤول عنها" ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبوداود في السنن عن عبدِ الرحمن بنِ أبي ليلى: حدَّثنا أصحابُ محمدِ صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرونَ مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم، فنامَ رجُلٌ منهم، فانطلقَ بعضُهُم إلى حَبْلٍ معه فأخذه، ففزعَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لمسلم أن يُرَوِّعَ مُسْلِماً. انتهى
وفي نيل الأوطار للشوكاني: قوله: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم، ولو بما صورته صورة المزح. انتهى.

وفي فيض القدير للمناوي: (لا يحل لمسلم أن يروع) بالتشديد، أي يفزع (مسلما) وإن كان هازلا كإشارته بسيف، أو حديدة، أو أفعى، أو أخذ متاعه فيفزع لفقده؛ لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. انتهى.
وفي شرح مشكل الآثار للطحاوي: عن أبي ليلى الأنصاري, قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فأخذ بعض أصحابه كنانة رجل, فغيبوها ليمزحوا معه, فطلبها الرجل, ففقدها, فراعه ذلك, فجعلوا يضحكون منه, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أضحككم؟ قالوا: لا، والله إلا أنا أخذنا كنانة فلان لنمزح معه، فراعه ذلك, فذلك الذي أضحكنا، فقال:"لا يحل لمسلم أن يروع مسلما" ففي هذا الحديث ذكر ما فعله الرجل المذكور فيه من أخذ كنانة صاحبه ليرتاع بفقدها، على أن ذلك عنده مباح له, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما" فكان قوله ذلك له بعد فعله ما فعله, مما هو من جنس ما كان فعله نعيمان بسويبط, وما كان فعله عبد الله بن حذافة، في حديث علقمة المدلجي بأصحابه ليضحكوا من ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ليلى، لفاعل ما ذكر فعله إياه فيه: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما" فكان ذلك تحريما منه لمثل ذلك، ونسخا لما كان قد تقدمه, مما ذكرناه في هذا الباب, مما تعلق به من تعلق، ممن يذهب إلى إباحة مثله, إن كان مباحا حينئذ, والله نسأله التوفيق. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني