الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم القيام للصلاة بعد الأذان الأول للجمعة

السؤال

يوم الجمعة حين يؤذن المؤذن الأذان الأول يقوم الناس ويصلون صلاة السنة القبلية، وهناك أناس لا يصلونها بحجة أنه لا سنة قبلية لصلاة الجمعة، والأولون يستشهدون بحديث الرسول صل الله عليه وسلم بأن يصلي العبد ما يشاء حتى يصعد الخطيب، فأرجو جوابا كافيا وشافيا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس قبل الجمعة سنة قبلية مقيدة بها، لأنه لم يصح في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيام الناس لصلاة النافلة بعد أذان الجمعة الأول لصلاة ركعتين على أنهما سنة قبلية ليس بصحيح، بل قال بعض أهل العلم إن ذلك من المحدثات التي ينبغي للإمام أن ينهى عنها، قال ابن الحاج المالكي في المدخل: وَيَنْهَى النَّاسَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى قِسْمَيْنِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرْكَعُ حِينَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَصْعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهِ قَطَعُوا تَنَفُّلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرْكَعُ وَيَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَلَمْ يُحْدِثُوا رُكُوعًا بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَا الْمُتَنَفِّلُ يَعِيبُ عَلَى الْجَالِسِ وَلَا الْجَالِسُ يَعِيبُ عَلَى الْمُتَنَفِّلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا هُمْ الْيَوْمَ يَفْعَلُونَهُ، فَإِنَّهُمْ يَجْلِسُونَ حَتَّى إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَامُوا لِلرُّكُوعِ. اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاوى نور على الدرب: الركعتان بين الأذانين في الجمعة ليست مشروعة والأذان الأول يوم الجمعة، إنما هو لنداء البعيد حتى يهيئ نفسه ويحضر قبل أن يأتي الإمام، فمن جاء بعد الأذان الأول ودخل المسجد فليصل ركعتين أو ما شاء حتى يأتي الأذان الثاني، وأما من كان في المسجد: فلا يصلي بعد الأذان الأول وأما حديث: بين كل أذانين صلاة ـ فالمراد بالأذانين هنا الأذان والإقامة. اهـ

وقال في إجابة أخرى: أما الأذان الأول: فيكون قبل مجيء الإمام بنحو ساعة أو خمس وأربعين دقيقة أو ما أشبه ذلك، فمن قام يصلي فلا حرج عليه، لكن لا ينوي ذلك سنةً راتبة. اهـ

وصلاة النوافل قبل الجمعة الأمر فيها واسع، فلا حرج على المسلم أن يصلي قبلها ما تيسر، كما كان السلف الصالح يفعل قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وَالْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ أنهم كَانُوا إذَا أَتَوْا الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُصَلُّونَ مِنْ حِينِ يَدْخُلُونَ مَا تَيَسَّرَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَجَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ مُتَّفِقِونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ، مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِعْلِهِ، وَهُوَ لَمْ يَسُنَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا بِقَوْلِهِ وَلَا فِعْلِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. اهـ
والحاصل أن قيام الجالس لصلاة ركعتين عند الأذان الأول ليس من السنة، وأن للعبد أن يصلي ما شاء من النوافل قبل صعود الإمام على المنبر، وأنه ليس في ذلك سنة ثابتة محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 55914.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني