الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب من عليه مظالم مادية وأدبية جهل أربابها

السؤال

منذ طفولتي ـ ولله الحمد ـ كنت ملتزما حتى سن 14 بدأت أترك بعض الفرائض حتى تركتها كلها تقريبا في سن 16 حيث أصابتني الكثير من الفتن بسبب المنطقة التي كنا نسكنها ـ بؤرة فساد وطوائف كثرة، منطقة في سوريا ـ وكانت هناك مشاكل عائلية هائلة وظلم كثير ورافقت أصحاب السوء، فانحرفت وفعلت أغلب المعاصي لا أحلل ولا أحرم إلا الزنا ـ والحمد لله ـ فقد أبعدني الله عنه وسأقول ما كنت أفعل من معاصي في حق الناس: سرقات مبالغ قليلة من أماكن كثيرة وقذف ـ سب أعراض المسلمين بالباطل وغير المسلمين ـ غيبة، ونميمة وأغلب ما يتعلق بحقوق الناس، ثم انتقلنا من المنطقة إلى منطقة أخرى من سوء حالتي ومرارة أهلي وخاصة أمي معي، وظللت على هذه الحال حتى بدأت الثورة وبدأ النظام النصيري يقتل ويعتقل وخاصة الشباب فخرجنا إلى مصر وما زلت أقترف هذه الذنوب في حقوق الناس من سرقة وغيرها وكنا نجلس يوما نفعل معصية وكان بيني وبين الموت القليل القليل ـ والحمد لله ـ وبعدها تبت من أغلب المعاصي ولكنني ظللت أسرق حتى جاء يوم تبت فيه من كل شيء بفضل الله تعالى ولله الحمد... وعندما قررنا الذهاب للأردن قلت لنفسي يجب أن أرد الحقوق إلى أهلها والحمد لله كنت أذهب إلى كل مكان سرقت منه وأقول لهم لكم معي هذا المبلغ سامحوني وأعطيهم إياه من غير أن أقول لهم إنه سرقة، وبقي في مصر محل عملت عنده كنت أسرق منه لم أعد له حقه نسيانا، ولكن معي رقمه، وسرقت في سوريا قبل ثلاث أو أربع سنوات من محل دون تخصيص شوكولا وبسكويت وسيديهات وأشياء بسيطة... وحاليا لا أذكر إلا القليل من المحلات التي لهم حق علي ولا أعرف أصحابهم ولا أعرف شيئا عنهم ولن أستطيع البحث عنهم إلا بمشقة، ولا أعرف العناوين، ونسيت أغلب الأشياء مع مرور الزمن، ولكنني قدّرت المبالغ كلها التي سرقتها ولم أردها إلى أهلها منذ بداية انحرافي وزدت عليها....... فماذا أفعل؟ أأتصدًّق بالمبلغ الذي قدرته لجميع السرقات من كل الأماكن؟ ولمن أعطي الصدقة؟ وهل علي الاجتهاد في البحث عن فئة الفقراء؟ أو أعطي أي سائل يظهر عليه الفقر؟ وبالنسبة لكفارة القذف وسب أعراض المسلمين بالباطل... فلن أستطيع أيضا البحث عن أهل الحقوق أو إيجادهم لأستسمحهم؟ وهل الآن بعد أن منَّ الله بفضله والحمد لله علي بالتوبة وهداني أدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجبُّ ما قبله.... في حق الله وحق الناس؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يتم عليك نعمة التوبة والهداية، وبالنسبة للتوبة من التعدي على حقوق الآدميين بالسرقة ونحوها، فصحيح أنه يجب استحلالهم منها، أو الوفاء بها وردُّها إلى أصحابها، ولكن هذا مع القدرة على ذلك ومعرفة أصحابها وإمكان الوصول إليهم، فإن تعذر ذلك لنحو الأسباب المذكورة في السؤال فيكفي التصدق بها عن أصحابها، جاء في حاشية ابن عابدين الحنفي: عليه ديون ومظالم جهل أربابها وأيس من عليه ذلك من معرفتهم فعليه التصدق بقدرها من ماله.. اهـ.

وقال أبو الوليد ابن رشد في مسائله: الواجب عليه في خاصة نفسه: أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه، برد ما عليه من الحرام لأربابه إن عرفهم، أو التصدق به عنهم إن لم يعرفهم.. اهـ.

وراجع الفتويين رقم: 122402، ورقم: 114435.

وإن بذلت هذه الصدقة لمن يغلب على ظنك فقره، أجزأتك، وإن كنت لا تعرف أحدا من الفقراء فيمكنك أن تستعين على ذلك بالثقات من أهل الخير، أو بالجمعيات الخيرية الموثوقة.

وأما كيفية التوبة من الغيبة ونحوها من الحقوق المعنوية: فيرى بعض المحققين من أهل العلم أنه يجزئ مع التوبة النصوح أن يستغفر المغتاب لمن اغتابه ويجتهد له في الدعاء ويذكره بالخير، وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 18180، 66515، 127747، 171183.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني