الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف طالب العلم من كلام العلماء بعضهم في بعض

السؤال

نلاحظ الكثير من العلماء الأجلاء يطعنون في بعض، فما العمل في هذه الحالة؟
هذا أثابكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل في أهل العلم عفة اللسان، وسلامة الصدر من الضغينة، وأنهم يتحابون ولا يتباغضون ويتوالون ولا يتعادون، ولكن قد ينزغ الشيطان بينهم؛ إذ هم غير معصومين فيقع منهم طعن بعضهم في بعض لتأويل أو اجتهاد أو لغير ذلك، فالواجب حينئذ هو إحسان الظن بهم، وموالاتهم جميعا، وطرح كلام بعضهم في بعض؛ إذ كلام الأقران كما قيل يطوى ولا يروى، فنستغفر لهم جميعا، ونستفيد من علمهم جميعا، ونغض الطرف عن زلاتهم ومساويهم، ونحمل ما يقع منهم من ذلك على أحسن المحامل، ونجتهد في إصلاح أنفسنا مخرجين أنفسنا من هذه العداوات والإحن التي لا يسألنا الله تعالى عنها، هذا هو المسلك السوي الذي يسلكه العامي وطالب العلم مع ما يقع من طعن العلماء المشهود لهم بالعلم والديانة بعضهم في بعض، قال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ: كلام الأقران بعضهم، في بعض لا يُعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنَّه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمتُ أنَّ عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردتُ من ذلك كراريس. انتهى، وقال تاج الدين السبكي ـ رحمه الله ـ: ...فكثيرًا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها، فيغير على الكتاب والمؤلف ومن عاشره، واستن بسنته، مع أن المؤلف لم يُرِدْ ذلك الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل، فإذا كان الرجل ثقة ومشهودًا له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تُعُوِّدَ منه، ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله. وقال أيضًا رحمه الله: ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض، إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فَدُونَك، وإلا فاضرب صفحًا عما جرى بينهم، فإنك لم تُخْلَق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالبُ العلم عندي نبيلاً حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين، ويقضي لبعضهم على بعض، فإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي، وهلُمَّ جرًّا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح، فإنك إن اشتغلت بذلك خشيتُ عليك الهلاك، فالقومُ أئمةٌ أعلام، ولأقوالهم مَحامِلُ ربما لم يُفهم بعضُها، فليس لنا إلا الترضي عنهم، والسكوتُ عما جرى بينهم، كما يُفعل ذلك فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم. انتهى.

مع التنبه إلى أن الفصل بين أهل العلم والقضاء بينهم ليس إلا لمن كان مثلهما أو أعلم منهما، وقد نقل في ترتيب المدارك عن الأبياني قوله: إنما يفصل بين عالمين من هو أعلم منهما، فمن ضبط هذه القواعد وأحكمها اشتغل بنفسه وإصلاحها واستفاد من العلماء كلهم وأعرض عما يقع بينهم من التطاعن ونحو ذلك حاملا لكلامهم على أحسن المحامل ملتمسا له أحسن وجوه التأويل. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني