الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من طهُرت في أثناء نهار رمضان

السؤال

خلال شهر رمضان، وعند اقتراب نهاية دورتي الشهرية -والتي يختلف عدد أيامها بين شهر وآخر- استيقظت، فوجدت المادة البيضاء، والتي تعني أن علي أن أصوم، فاغتسلت عند أذان العصر، وأكملت صيامي.
سؤالي هو: هل صيامي صحيح؛ نظرا لأنني لم أكن أعرف أن هذا هو اليوم الأخير، فلم أنو الصيام في الليلة التي سبقته؟
والأمر الثاني أنني اغتسلت بعد أذان العصر، وليس عند استيقاظي؟
وجزاكم الله الخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس الاغتسال من الجنابة، أو الحيض شرطاً لصحة الصيام، فإذا طهرت المرأة في رمضان، ونوت الصيام من الليل، صحَّ صيامها وإن لم تغتسل.

لكن صيامكِ ذلك اليوم لم يصح لسببين:

* الأول: أنكِ لم تري القصة البيضاء إلا في النهار، فلا يمكن الجزم بأنه قد حصل الطهر من أول النهار، ومن شرط صحة الصيام ألا يمر جزء من النهار والمرأة فيه حائض، ولو لحظة.

قال ابن قدامة رحمه الله: ومتى وُجد الحيض في جزء من النهار، فسد صوم ذلك اليوم، سواء وجد في أوله، أو في آخره. اهـ.

فإذا لم يُتحقق من حصول ذلك الشرط، لم يحكم بالطهر من أول النهار؛ إذ الأصل بقاء الحيض.

* الثاني: أنكِ لم تنوِي الصيام من الليل، والجمهور على أن مِن شرط صحة صيام الفرض، تبييت النية من الليل، خلافاً للحنفية، وقد جاء اشتراط ذلك صريحاً في حديث أم المؤمنين حفصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وفي رواية للنسائي وغيره: من لم يُبيِّت الصيام من الليل، فلا صيام له.

وعليه؛ فيجب إعادة صيام ذلك اليوم، وأما الأيام التي بعده، فصيامك إياها صحيح.

وقد أحسنتِ بإمساككِ بقية ذلك اليوم؛ فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمن قائل بوجوب الإمساك، ومن قائل باستحبابه.

قال ابن قدامة: إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، فطهرت الحائض والنفساء، وأقام المسافر، وبلغ الصبي، وأفاق المجنون، وأسلم الكافر، وصح المريض المفطر، ففيهم روايتان:

إحداهما: يلزمهم الإمساك في بقية اليوم. وهو قول أبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح، والعنبري؛ لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك، كقيام البينة بالرؤية.

والثانية: لا يلزمهم الإمساك. وهو قول مالك، والشافعي. اهـ.

والرواية الأولى القائلة بوجوب الإمساك، هي التي اعتمدها فقهاء الحنابلة.

وقال النووي -رحمه الله- من الشافعية: إذا طهُرت في أثناء النهار، يُستحب لها إمساك بقيته. اهـ.

وذهب المالكية إلى الجواز لا الندب، والراجح عندنا عدم وجوب الإمساك.

قال ابن عثيمين رحمه الله: والقاعدة على هذا القول الراجح، أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم. اهـ.

لكنه يستحب؛ احتياطاً لقول من أوجب ذلك. وهذا الذي رجحناه من الاستحباب لا الوجوب، هو الأصح في مذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني