الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

يقول بعض أهل العلم: إن أول ما خلق الله عز وجل الريح -الهواء- ما يسمى اليوم الغازات، فإن الماء مكون من غازي الأكسجين، والهيدروجين، وحديث أبي رزين، وقوله صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد: كان الله في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء. فما قولكم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر أهل العلم أن أول ما خلق الله تعالى الماء، والعرش، ثم القلم، ثم السماوات والأرض، واختلف في العرش، والماء أيهما خلق أولًا، فقيل؛ إن العرش خلق أولًا، وهذا رجحه ابن تيمية، وابن القيم، وقيل: إن الماء هو الأول، ورجحه بدر الدين العيني، فقد قال في عمدة القاري، شرح صحيح البخاري: وفي قوله: وكان عرشه على الماء، دلالة على أن الماء، والعرش كانا مبدأ هذا العالم؛ لكونهما خلقا قبل خلق السماوات والأرض، ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء.

فإن قلت: إذا كان العرش والماء مخلوقين أولًا، فأيهما سابق في الخلق؟

قلت: الماء؛ لما روى أحمد، والترمذي مصححًا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعًا: إن الماء خلق قبل العرش، وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة: أن الله تعالى لم يخلق شيئًا مما خلق، قبل الماء. اهـ.

وفي تفسير ابن رجب الحنبلي: قوله تعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملًا)، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة لما سأله: مم خلق الخلق؟ فقال له: "من الماء". يدل على أن الماء أصل جميع المخلوقات، ومادتها، وجميع المخلوقات خلقت منه. وفي المسند من وجه آخر، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء. فقال: "كل شيء خلق من ماء". وقد حكى ابن جرير، وغيره، عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، وطائفة من السلف: أن أول المخلوقات الماء... وروى الجوزجاني بإسناده، عن عبد الله بن عمرو أنه سئل عن بدء الخلق. فقال: من تراب، وماء، وطين، ومن نار، وظلمة. فقيل له: فما بدء الخلق الذي ذكرت؟ قال: من ماء ينبوع. وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن الماء كان موجودًا قبل خلق السماوات، والأرض، فقال تعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء) . وفي "صحيح البخاري" عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله -وفي رواية- "معه"، (وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض" وفي "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء". وروى ابن جرير، وغيره عن ابن عباس: إن الله عز وجل كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانًا، فارتفع فوق الماء، فسما عليه، فسمي سماء، ثم أيبس الماء، فجعله أرضًا واحدة، ثم فتقها، فجعلها سبع أرضين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان، وكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس، ثم جعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات ... اهـ.

وأما حديث أبي رزين قال: قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: كان في عماء، ما فوقه هواء, وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. فقد رواه الترمذي، وابن حبان، وابن ماجه، وأحمد بألفاظ متقاربة، وقد ضعفه الشيخ الألباني في كثير من كتبه؛ لوجود وكيع بن حدس في سنده، وهو مجهول.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني