الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التكسب عن طريق تهريب البشر عن طريق البحر إلى أوروبا

السؤال

نحن في بلاد عربية، لكن أخي يعمل في بلاد أوربية في تهريب البشر عن طريق البحر لأوروبا، وبالتنسيق مع مافيات أجنبية في نفس البلد ويقبضون أجرا على ذلك، وهو يجمع الأموال لزواجه، فهل تتكرمون بإجابتنا هل هذه الأموال التي يجمعها حرام أم حلال؟ علما أنه يقول إنها مكروهة وليست حراما.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يخفى ما في ذلك العمل من تعريض أرواح الناس وممتلكاتهم للخطر، فهو - بالإضافة إلى ما يشتمل عليه من المخاطرة والغرر والجهالة في عقوده - مناف لما أمر الله به من حفظ النفس، وداخل في إلقاء الأنفس في التهلكة، وهو أمر منهي عنه بنص الآية: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة:195}.

وعليه، فلا يجوز لأخيك العمل فيما ذكرت من تهريب الناس بالطرق المعروفة اليوم، ولو إلى دول إسلامية فكيف بتهريبهم إلى دول كافرة، فليتق الله، وليكف عن ذلك، وسبل الحلال كثيرة لمن تحراها، وما اكتسب من ذلك العمل محرم؛ لكونه قبض مقابل عمل غير مشروع، والأجرة تابعة للعمل، والعمل قائم كما ذكرت على التهريب ومعاونة الآثمين على إثمهم وتعريض النفس والمال للتهلكة، والمرء منهي عن ذلك قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}، وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 43101، 73008.

هذا، وليعلم أخوك أن لأكل الحرام آفات وخيمة وعواقب أليمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت. رواه أحمد وغيره، ومن آفاته الحرمان من إجابة الدعاء، كما صح بذلك الحديث، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: وذكر الرجل أشعث أغبر، يطيل السفر، يمد يده إلى السماء يقول: يا رب، يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له.

ومن آثار أكل الحرام مرض القلب أو موته الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد في الصحيحين عن النعمان بن بشير فإنه قال في أوله: الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات... ثم قال في آخر الحديث: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله... الحديث. فإن في ذلك إشارة ظاهرة إلى الارتباط بين صلاح القلب وفساده، وبين أكل الحرام أو الحلال.

لكن لو تاب من عمله المحرم، وكان فقيرا محتاجا فله أن يأخذ مما بيده من ذلك المال نفقته وحاجته، وحتى لو أخذ ما يشتري به وسيلة يتكسب بها تكسبا مباحا فلا حرج في ذلك كما قال شيخ الإسلام: إن التائب من الحرام له أن يعطى منه آلة يحترف بها. اهـ

وقال النووي في المجموع: وله (أي حائز المال الحرم) أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيراً... وله أن يأخذ قدر حاجته لأنه أيضاً فقير.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني