الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال إن العسل لا يكفي في شفاء المرض

السؤال

كنت في حالة غضب، وأنا في جدال مع أحد الأصحاب، إذ قال إنه يداوي سعاله بالعسل، فقلت له العسل لا يكفي، واشتر أدوية أخرى مع أن الآية الكريمة: "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" كانت تدوّي في ذهني وحتى هو ذكّرني بالآية، إلا أني تماديت بفعل الغضب والاندفاع وقلت له إنه هناك آية تقول: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" فهل هذا معناه أننا نقرأ القرآن ولا نشتري أدوية؟! هو اقتنع بكلامي ولكن لما ذهب الروع عني ندمت على غضبي واندفاعي، يا شيخ هل هذا معناه أني كذّبت بما جاء الله به في الآيات الكريمات بخصوص العسل والقرآن؟ مع العلم أني كنت في حالة غضب واندفاع، وهل هذا معناه أني كفرت أو ارتددت عن ديني؟ وهل علي أن أغتسل وأشهد مرة أخرى لتجديد ديني؟ شكرًا لوقتكم، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لايقع الكفر بما ذكرت؛ لأن العسل فيه شفاء لكثير من الأمراض لا لجميعها.
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وقوله: ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) أي : في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم، قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال فيه: "الشفاء للناس" لكان دواء لكل داء، ولكن قال ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) أي: يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار، والشيء يداوى بضده. انتهى . "

وقد ذكر ابن القيم في الزاد أنه ليس علاجا لأصحاب مادة الصفراء بل يهيجها، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: وأما هديه في الشراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة فإنه كان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء، فإنَّ شُربَه ولعقَه على الريق يذيب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخنها باعتدال، ويفتح سددها، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها، وإنما يضر بالعَرَض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء فربما هيَّجها... اهـ

وأما عن القرآن ، فالقرآن كله بركة وشفاء، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}، وقال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى {فصلت:44}، وقال تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}،

واختلف في من في هذه الآية هل هي للتبعيض أو لبيان الجنس قال الإمام السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ) الآية، قيل: إن (مِن) ها هنا للتجنيس لا للتبعيض، ومعناه: ونُنَزِّل القرآن الذي منه الشفاء، وقيل: ونُنَزِّل مِن القرآن ما هو شفاء ورحمة، أي: ما كله شفاء؛ فيكون المراد من البعض هو الكل. اهـ .

وقال العلامة الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ: كل القرآن شفاء من أوله إلى آخره، وإذا قرأ الفاتحة فهي أعظم سورة في القرآن، كررها، كما قرأها الصحابة على اللديغ، لما مروا عليه في بعض أحياء العرب قرأ عليه بعض الصحابة سورة الفاتحة، وكررها فشفاه الله، فإذا قرأ سورة الفاتحة، وقرأ معها آية الكرسي، أو بعض الآيات الأخرى كله طيب، وإذا قرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثلاث مرات، كان حسنا أيضا من أسباب الشفاء، وكل القرآن شفاء، إذا قرأ منه ما يسر الله من البقرة، من آل عمران، من النساء من المائدة، من بقية القرآن، كله شفاء كما قال الله جل وعلا: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} وقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} يعني كله شفاء، فإذا تحرى بعض الآيات وقرأها كله طيب، ولكن من أهم ما يقرأ: الفاتحة وآية الكرسي وقل هو الله أحد، وسورتا المعوذتين، كل هذه من أهم ما يقرأ على المريض. اهـ

ولكنه لا حرج في استعمال أدوية أخرى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم والسلف يتعالجون بالأدوية الطبيعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني