الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب تخوف الصالحين من الكرامات وكتمانهم إياها

السؤال

نُقل أن الصالحين كانوا يتخوفون من الكرامات، وبعضهم يدعو بزوالها، ويكتمونها، ولا يخبرون أحدا بها.
فما السر وراء ذلك؟ لماذا كانوا يخافون من الكرامات، ويكتمونها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الباعث على تخوف الصالحين من الكرامات، هو أنها قد تكون فتنة واستدراجا، وقد يغتر بها العبد، فيتعاظم ويختال، ويعجب بحاله؛ فينقطع بذلك عن الله، وكانوا يكتمون كراماتهم -إلا لحاجة، أو مصلحة- لأن ذلك أدنى إلى الخفاء، والإخلاص، وأبعد عن الشهرة، واستجلاب تعظيم الناس وثنائهم.

قال ابن رجب: ولهذا أيضا يعظم في نفوس كثير من الناس ذكر الخوارق والكرامات، ويرونها أفضل مما أعطيه العلماء من المعرفة والعلم، وإنما يتصورون حقيقة الخوارق؛ لأنها من جنس القدرة، والسلطان في الدنيا، الذي يعجز أكثر الناس عنه. وأما العلماء بالله فلا تعظم هذه الخوارق عندهم؛ بل يرون الزهد فيها، وإنها من نوع الفتنة والمحنة، وبسط الدنيا على العبد، فيخافون من الاشتغال بها، والوقوف معها، والانقطاع عن الله عز وجل.

وقد ذكر أبو طالب المكي هذا المعنى في كتابه، عن كثير من العارفين منهم أبو يزيد، ويحيى بن معاذ، وسهل التستري، وذو النون، والجنيد وغيرهم.

وقيل لبعضهم: إن فلانا يمشي على الماء! فقال: "من أمكنه الله من مخالفة هواه، فهو أفضل".

وكان أبو حفص النيسابوري يوما جالسا مع أصحابه خارج المدينة، وهو يتكلم عليهم، فطابت أنفسهم، فجاء أيل قد نزل من الجبل حتى برك بين يديه، فبكى بكاء شديدا وانزعج، فسئل عن سبب بكائه، فقال: رأيت اجتماعكم حولي، وقد طابت قلوبكم، فوقع في قلبي، لو أن لي شاة ذبحتها ودعوتكم، فما تحكم هذا الخاطر حتى جاء هذا الوحش فبرك بين يدي، فخيل لي أني مثل فرعون، الذي سأل ربه أن يجري له النيل، فأجراه له، قلت: فما يؤمنني أن يكون الله يعطيني كل حظ في الدنيا، وأبقى في الآخرة فقيرا لا شيء لي، فهذا الذي أزعجني. فأحوال العارفين كلها تدل على أنهم لم يكونوا يلتفتون إلى هذه الخوارق، وإنما كان اهتمامهم بمعرفة الله وخشيته، ومحبته، والأنس به، والشوق إلى لقائه، وطاعته. اهـ. من مجموع رسائله.

وقال ابن القيم في كتابه مدراج السالكين: والمقصود: أن العبد يقوى إخلاصه لله، وصدقه ومعاملته، حتى لا يحب أن يطلع أحد من الخلق على حاله مع الله، ومقامه معه، فهو يخفي أحواله غيرة عليها من أن تشوبها شائبة الأغيار، ويخفي أنفاسه خوفا عليها من المداخلة، وكان بعضهم إذا غلبه البكاء، وعجز عن دفعه قال: لا إله إلا الله، ما أمر الزكام!

فالصادقون يعملون في كتمان المعاني، واجتناب الدعاوي، فظواهرهم ظواهر الناس، وقلوبهم مع الحق تعالى، لا تلتفت عنه يمنة ولا يسرة، فهم في واد، والناس في واد.

قوله - يعني الهروي في منازل السائرين -: " وعلى الكرامات بكتمانها"، يعني: أنهم يغارون على كراماتهم أن يعلم بها الناس، فهم يخفونها أبدا غيرة عليها، إلا إذا كان في إظهارها مصلحة راجحة؛ من حجة، أو حاجة، فلا يظهرونها إلا لحجة على مبطل، أو حاجة تقتضي إظهارها .اهـ. باختصار.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 312511 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني