الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم هجر من يستهزئ بشعائر الدين

السؤال

أسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء، على ما تبذلونه من جهد في هذا الموقع الرائع.
أنا شاب تونسي، جمعتني صداقة بشخص لأكثر من عشر سنين، لكن طيلة هذه المدة كنت أجد على نفسي في باطني، وأعاتبها لكوني كنت ملتزما، وهذا الصديق كان تاركا للصلاة بعيدا عن كل تدين، فطالما كان يَرِنُّ في أذني حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. لكن ما يشفع لهذا الصديق أنه كان حسن المعاشرة، وكانت لديه بعض الخلال الطيبة. من أجل ذلك كنت أمني نفسي بصلاحه، وكنت أتعمده بالنصح أحيانا.
وحدثت منذ ستة أشهر حادثة -يطول شرحها -نتج عنها أنه وجد في نفسه مني، وأساء الظن بي، ولم يتثبت، مع أنه يعرف معدني جيدا، فسرعان ما أعرض ونأي بجانبه عني، ومع ذلك فقد ذهبت إليه، وشرحت له خطأه في تقييمه لموقفه تجاهي.
لكن يبدو أنه لم يقتنع في قرارة نفسه، وكنت إذا لقيته سلمت عليه، فيرد ببرودة، وكلام قليل. زرته ست مرات في مقر عمله، وفي كل مرة يقابلني بسلام بارد، وإعراض، وكلام قليل، ورغم كل ذلك لم أشأ أن أقطع صلتي به؛ لأن الحادثة التي أغضبته كانت من أمور الدنيا، يعني أني وصلته، لكنه صار يتجاهلني، وكنت رأيت منه أخيرا في مقر عمله في دكانه إعراضا أكثر عن دين الله، ثم جاء اليوم الذي لم أعد أصبر فيه عليه حيث بلغ به الأمر-لجهله- إلى السخرية من شعائر الله كالنقاب مثلا، أو استهزائه ممن يحرمون الموسيقى، وغيرها من الأشياء. المهم قمت وقتها من عنده وخرجت من دكانه، ولم أعد إليه أبدا -حسبة لله- أفأكون آثما لهجري إياه.؟هو يظن أنني هجرته للحادثة التي جرت بيننا، والله يشهد أني ما هجرته إلا غيرة لديني؛ فأنا أخشى كثيرا من الوعيد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كانت صحبتك له في بادئ الأمر رجاء صلاحه، مع استمرارك في نصحه؛ فنرجو أن لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله. ولمعرفة المقصود بالحديث الذي أشرت إليه أولا، راجع الفتويين: 153867،73705.

وقد أخطأ حين أساء بك الظن، فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ...{الحجرات:12}.

وكان الواجب عليه التثبت حين بلغه شيء عنك؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}، وإذ لم يتبين، كان الأجدر به أن يقبل ما قمت بشرحه، وبيانه له.

وشخص على هذا الحال ليس جديرا بأن تصحبه، وكان الواجب عليك نصحه حين سمعته يستهزيء بشيء من أمور الدين، فقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وقد نص الفقهاء على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قد يتعين أحيانا، كما بيناه في الفتوى رقم: 43762.

وهجرك إياه مشروع في الأصل، وقد يجب أحيانا. والأولى أن تراعى فيه المصلحة الشرعية، كما ذكر أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 21837. والحديث الذي ذكرته أخيرا لا ينافي ما ذكرناه هنا؛ لأنه متعلق بالهجر لحظوظ الدنيا، وانظر الفتوى رقم: 28565.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني