الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى "لا تصاحب إلا مؤمناً.."

السؤال

انطلاقا من الحديث: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي. هل يجوز لي أن أدعو زوج خالة أمي إلى وليمة زواجي، علما بأنه لا يصلي وأنه جار لنا وسيمنحنا بيته لإقامة جزء من العرس عنده بحكم ضيق بيتنا، وأريدكم أن تتفضلوا بإرسال مجموعة الضوابط التي يجب أن تميز العرس وما الذي ينبغي تجنبه حتى يكون عرسا على السنة النبوية، خاليا مما سواها؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن ترك الصلاة والتهاون بها من أكبر الذنوب وأخطرها، بل ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير تاركها والمتهاون بها مع إقراره بوجوبها، وقد بينا ذلك مفصلاً في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35039، 1145، 1195.

ومن كان كذلك فلا تنبغي مصاحبته ومجالسته إلا لنصحه ودعوته لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، إلا أنه لا يهجر إلا إذا نصح فلم يجد النصح، ودعي فلم تفد الدعوة، وكان في هجره تأديب له وتأثير عليه، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 18246، والفتوى رقم: 47679.

ومن هنا فالأولى لك أن تدعو قريبك وجارك إلى وليمة عرسك للتقرب منه ومناصحته ودعوته، وهذا من حقوقه عليك، فبين له خطر ترك الصلاة وعقوبة تاركها بقول لين سهل يأخذ بمجامع قلبه ولا ينفره، ومن الحكمة في ذلك أن تنصحه على انفراد أو ترتب خلال جلسة الوليمة لكلمة وعظية من أحد الدعاة الربانيين وتذكر له الغرض ليتطرق إليه خلال كلمته ويركز عليه.

وأما الحديث الذي ذكرت وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. فقد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. ومعناه كما قال المناوي في فيض القدير: لا تصحب إلا مؤمناً. وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة... وصحبة من لا يخاف الله لا يؤمن غائلتها لتغيره بتغير الأعراض، قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري.... (ولا يأكل طعامك إلا تقي) لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة؛ بل هي أوثق عرى المداخلة. ومخالطة غير التقي تخل بالدين وتوقع في الشبه والمحظورات؛ فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر، فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به. وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه، والحاصل أن مقصود الحديث -كما أشار إليه الطيبي- النهي عن كسب الحرام وتعاطي ما ينفر منه المتقي، فالمعنى: لا تصاحب إلا مطيعاً ولا تخالل إلا تقياً. انتهى.

وأما سؤالك عن الضوابط التي يجب أن يتميز بها العرس فجوابه أن إظهار الفرح فيه مطلوب لما روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح. رواه النسائي، ولا بأس بالإنشاد والغزل في العرس، نقل ذلك عن أحمد.. ولكن يكون هذا دون اختلاط بين الرجال والنساء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: أتيناكم.. أتيناكم.. فحيانا وحياكم... ولولا الذهب الأحمر... ما حلت نواديكم... ولولا الحنطة السمراء... ما سمنت عذاريكم.

ولكن دون استعمال الآلات المحرمة، وقد بينا الضوابط التي ينبغي توفرها في الوليمة لتكون خالية من المحاذير في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1094، 5119، 7877، 8283.

ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني