الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل وصف لقمان الحكيم بأنه عبد أسود ... إلخ ثابت أم لا؟

السؤال

قال الطبري في تفسيره: حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي وابن حميد، قالا ثنا حكام، عن سعيد الزبيدي، عن مجاهد قال: كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، قاضيا على بني إسرائيل ـ حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش، عن مجاهد، قال: كان لقمان عبدا أسود، عظيم الشفتين، مشقَّق القدمين ـ حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا خالد بن مخلد، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: ثني يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر، فما صحة هذه الروايات؟ وهل وصف لقمان الحكيم بهذا الوصف ثابت؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نجد أحدا من أهل العلم بتصحيح الحديث وتضعيفه صحح هذه الآثار أو ضعفها من حيث الصناعة الحديثية، مع نقل أغلب المفسرين هذه الآثار والأوصاف والاحتجاج بها في كون لقمان نبيا أو حكيما فقط، ومن ذلك صنيع الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ حيث قال في تفسيره: وقال ابن جرير: حدثنا ابن حُمَيد، حدثنا الحكم، حدثنا عمرو بن قيس قال: كان لقمان، عليه السلام، عبدًا أسود غليظ الشفتين، مُصَفَّح القدمين، فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم، فقال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر قال: إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك، فقال له: ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قَدَرُ الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني ـ فهذه الآثار منها ما هو مُصرَّح فيه بنفي كونه نبيا، ومنها ما هو مشعر بذلك، لأن كونه عبدًا قد مَسَّه الرق ينافي كونه نبيا، لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها، ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا، وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة ـ إن صح السند إليه ـ فإنه رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث وَكِيع عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة فقال: كان لقمان نبيًا، وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. انتهى.

وقليل من المفسرين من شكك في هذه الآثار، فقد قال الألوسي في تفسيره: وذكر مجاهد في وصفه أنه كان غليظ الشفتين مصفح القدمين، وقيل: كان نوبيا مشقق الرجلين ذا مشافر، وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس وابن المسيب ومجاهد، وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن الزبير قال: قلت لجابر بن عبد اللّه ما انتهى إليكم من شأن لقمان؟ قال: كان قصيرا أفطس من النوبة، وأخرج هو، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن المسيب أنه قال: إن لقمان كان أسود من سودان مصر ذا مشافر، أعطاه اللّه تعالى الحكمة ومنعه النبوة، واختلف فيما كان يعانيه من الأشغال فقال خالد بن الربيع: كان نجارا بالراء وفي معاني الزجاج كان نجادا بالدال وهو على وزن كتان من يعالج الفرش والوسائد ويخيطهما ـ وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وابن المنذر عن ابن المسيب أنه كان خياطا وهو أعم من النجاد، وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنه كان راعيا وقيل: كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة، ولا وثوق لي بشيء من هذه الأخبار، وإنما نقلتها تأسيا بمن نقلها من المفسرين الأخيار عن أني أختار أنه كان رجلا صالحا حكيما ولم يكن نبيا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني