الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من نسب كلاما للنبي ولم يدر صحة نسبته إليه

السؤال

هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ـ كنت في حوار مع بعض الإخوة، وكان الكلام عن السرقة وخطورتها، فقلت لهم هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى فيه عن الأخذ من سلعة البائع دون إذنه ونهى ذلك الرجل... مثلا: عن أخذ المكسرات والفصفص وأكلها دون إذن البائع.. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك الفعل... فهل هناك حديث كذلك أو رواية؟ وماذا عليّ إن كان كلامي خطأ؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن النصوص في حرمة الاعتداء على الأموال والحقوق كثيرة معلومة، ومن الأحاديث في ذلك: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حميد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه، وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم.

وقال عبيد بن أبي قرة: حدثنا سليمان، حدثني سهيل، حدثني عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حميد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه، وذلك لشدة ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم. وأخرجه ابن حبان في صحيحه.

فالأكل من طعام البائع دون إذنه تدخل في عموم الحديث السابق، وعموم نصوص صون مال المسلم وحرمة الاعتداء عليه، وأما اللفظ الذي ذكرته: عن الرسول نهى عن الأخذ من سلعة البائع دون إذنه ونهى ذلك الرجل ـ فلم نقف عليه.

وأما هل يدخل صنيعك في الوعيد الوارد على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنقول الوعيد وراد على المتعمد للكذب، وأما غير المتعمد فلا إثم عليه، قال القرطبي في شرح حديث: علي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار ـ متفق عليه، قال: صَدْرُ هذا الحديث نهيٌ، وعجزه وعيدٌ شديد، وهو عامٌّ في كلِّ كاذبٍ على رسول الله ِ صلى الله عليه وسلم، ومطلقٌ في أنواعِ الكذب، ولمَّا كان كذلك، هابَ قومٌ من السلف الحديثَ عن رسولِ الله ِ صلى الله عليه وسلم، كعمر، والزبير بن العَوَّام، وأنس بن مالك، وابن هرمز ـ رضي الله عنهم ـ فإن هؤلاء سمعوا كثيرًا وحدَّثوا قليلاً، كما قد صرَّح الزبير ـ رضي الله عنه ـ بذلك لمّا قال له ابنه عبد الله ـ رضي الله عنه: إني لا أَسْمَعُكَ تحدِّثُ عن رسول الله ِصلى الله عليه وسلم؟ كما يُحَدِّثُ فلانٌ وفلان؟ فقال: أَمَا أنِّي لم أفارقْهُ، ولكنْ سمعته يقول: مَنْ كَذَبَ عليَّ، فليتبوَّأْ مقعدَهُ من النار ـ وقال أنس: إنَّه يمنعني أن أحدِّثَكُمْ حديثًا كثيرًا أنَّ رسولَ الله ِصلى الله عليه وسلم قال: من كَذَبَ عليَّ... الحديث، ومنهم: مَنْ سَمِعَ وسكت، كعبد الملك بن إياس، وكأنَّ هؤلاءِ تخوَّفوا مِنُ إكثار الحديث الوقوعَ في الكذب والغلط، فقلَّلوا، أو سَكَتوا، غير أنَّ الجمهور: خصَّصوا عموم هذا الحديث، وقيَّدوا مطلقَهُ بالأحاديث التي ذُكِرَ فيها: متعمِّدًا، فإنَّهُ يُفْهَمُ منها أنَّ ذلك الوعيدَ الشديدَ، إنما يتوجَّه لمن تعمَّد الكذبَ على رسول الله ِ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه الطريقة هي المرضيَّة، فإنَّها تجمعُ بين مختلفاتِ الأحاديث، إذ هي تخصيصُ العموم، وحملُ المطلق على المقيَّدِ مع اتحادِ المُوجِب والمُوجَب، كما قرَّرناه في الأصول .اهـ.

وقال ابن حجر في شرح حديث عبد الله بن الزبير، قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ـ وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء كان عمدا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع، لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر، لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار، إذ الإكثار مظنة الخطأ. اهـ.

فإن كنت حدثت بما حدثت به بناء على ظنك أنه حديث نبوي فلا إثم عليك ـ إن شاء الله ـ وأما إن تعمدت ذكره مع علمك أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الصنيع من الكذب المتعمد الوارد في الأحاديث، ونوصيك بالتحري في نقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة على علمهم وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتوقون أشد التوقي في نقل الحديث عنه، وقد ترجم ابن ماجه في سننه: باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وأسند تحته عدة آثار، منها:

عن عمرو بن ميمون، قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول لشيء قط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنكس، قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة، أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها بذلك.

وعن محمد بن سيرين، قال: كان أنس بن مالك: إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد.

وعن الشعبي قال: جالست ابن عمر سنة، فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا.

وعن السائب بن يزيد، قال: صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني