الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالات وجوب أجرة المثل

السؤال

ذهبت إلى مستشفى بناء على تجربة سابقة مع أبي، وقد أخبرني بأنهم لا يأخذون سوى مبلغ الكشف في أول زيارة، فأجريت الفحوصات وقام الدكتور بعملية شفط لأذني، كما فعل لأبي، وبعدما خرجت طلبوا مني مبلغا لو أخبرني الدكتور به من قبل ما فعلتها، وذهبت إلى مستوصف حكومي، وإلى الآن يطالبونني بالسداد وأظن بأنه نصب واحتيال، لأن المبلغ مبالغ فيه وفوق ذلك لم يخبروني به سابقا، فهل يجب علي دفع المبلغ وأعتبر آثما إذ لم أدفع؟ وما هو الحل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن من شروط صحة الإجارة أن تكون الأجرة معلومة، وإن كانت الأجرة فيها جهالة تفضي إلى النزاع بين المتعاقدين، فإن عقد الإجارة يفسد، وتجب حينئذ أجرة المثل، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ويجب العلم بالأجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ـ ولو كان في الأجر جهالة مفضية للنزاع فسد العقد، فإن استوفيت المنفعة وجب أجر المثل، وهو ما يقدره أهل الخبرة. اهـ باختصار.

ويستثنى من ذلك عند بعض العلماء ما إذا كانت الأجرة معروفة بالعادة، فلا يشترط تسميتها في العقد، قال ابن القيم: ومنها ـ أي ما يتفرع على قاعدة: الشرط العرفي كاللفظي ـ لو دفع ثوبه إلى من يعرف أنه يغسل أو يخيط بالأجرة، أو عجينه لمن يخبزه، أو لحما لمن يطبخه، أو حبا لمن يطحنه، أو متاعا لمن يحمله ونحو ذلك ممن نصب نفسه للأجرة على ذلك وجب له أجرة مثله، وإن لم يشترط معه ذلك لفظا عند جمهور أهل العلم، حتى عند المنكرين لذلك، فإنهم ينكرونه بألسنتهم ولا يمكنهم العمل إلا به. اهـ.

وفي الروض المربع: وإن دخل حماما أو سفينة بلا عقد، أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا ليعملاه بلا عقد، صح بأجرة العادة، لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، وكذا لو دفع متاعه لمن يبيعه أو استعمل حمالا ونحوه، فله أجرة مثله. اهـ.

وقال ابن عثيمين: قوله: وإن دخل حماماً، فإذا دخل حماماً ثم اغتسل فيه وخرج، والحمام مكتوب عليه للإيجار، الساعة بكذا، وهو لم يرَ صاحبه، فإنه يصح بأجرة العادة، والعادة في مثل هذا تقدر بالزمن كل ساعة بكذا، فيؤخذ ممن دخل الحمام ما جرت به العادة، ومثل ذلك ما يفعله الناس الآن من إدخال السيارة في مواقف السيارات، تجده يدخل ويأخذ البطاقة لتعيين وقت الدخول ثم إذا خرج حاسب، بدون أن يكون هناك كلام، نقول: هذا ـ أيضاً ـ لا بأس به، وهذا ربما يكون أبلغ في الجواز من المساومة، يعني من قوله: لا أدخلك إلا الساعة بكذا وكذا، لأن هذا معلوم لدى الناس جميعاً. قوله: أو سفينة ـ أي: وجد سفينة تحمل الناس فدخل فيها بدون أن يتفق مع الملاح، أي: مع قائد السفينة، فهذا يجوز وعليه أجرة العادة، وسيارة الأجرة كذلك إذا ركب ثم وصل إلى المحطة وقال له صاحب السيارة: عليك ـ مثلاً ـ عشرة ريالات، إن قال: العشرة كثيرة وما أعطيك إلا خمسة، فهل يُلزم بالعشرة؟ نعم، يلزم ما دامت العادة عشرة، فإنه يلزم بالعشرة. اهـ.

وقال محمد المختار الشنقيطي في شرح الزاد: لا بد من معرفة الأجرة في عقد الإجارة، ويستثنى من اشتراط معرفة الأجرة، أن يكون هناك عرف يحدد الأجرة، كركوب السيارات والطائرات وغيرها، فيسكت العاقدان عن تحديد الأجرة فعند ذلك يرجع إلى العرف، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. اهـ.

وعلى ما سبق، فإن كانت الأجرة التي يطالبك بها المستوصف في حدود أجرة العادة في مثل هذه المستوصفات فيلزمك أن تعطيه إياها، وكونك ترى الأجرة مبالغا فيها، أو كونهم لم يخبروك بها، لا يسقط وجوب الأجرة لهم ما دامت في حدود أجرة العادة، وأما إن كانت خارجة عن العادة والمعروف, وحصل بينكما نزاع، فإنه تلزمك أجرة المثل التي يقدرها أهل الخبرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني