الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التدرج في فعل الطاعات وترك المنكرات

السؤال

اعتقد أن الالتزام بالواجب والامتناع عن الحرام دفعة واحدة أفضل لمن لم يشق عليه ذلك، إذا كان لا يخشى على نفسه الانتكاسة, أما من شق عليه ذلك، وخشي على نفسه الانتكاسة بسبب ضعف نفسه، فالأفضل أن يتلطف بنفسه، ويتدرج في الالتزام بأحكام الشريعة، وليس ذلك من باب إحلال الحرام وتحريم الحلال، وكذلك لا أعتقد أن إثم الذنب قد زال بدعوى التدرج، وإنما هو من باب دفع المشقة وخوف الانتكاسة، وطمعا في مغفرة الله، وأن يمهلني حتى أتم التوبة النصوح وأستقر عليها, فهل إن اعتقدت أن التدرج بهذا الشكل يجوز، وأنه الأفضل في هذه الحالة أكون ممن يعتقدون جواز مخالفة شرع الله، أو ممن يعتقدون أن شرع غير الله أحسن من شرع الله وأكون كافرا؟ وماذا يفعل الملتزم الجديد الذي لم يكن يصلي أصلا ثم قرر التوبة؟ وهل يمكث على كتب طلب العلم، ويقوم عليها حتى يتعلم كل الواجب وكل الحرام، ويطبقه مع ما يحمله ذلك من مشقة شديدة مع الداعي الكبير للانتكاسة؟ أم يتدرج بنفسه؟ وما هي حدود هذا التدرج؟.
وجزاكم الله خيرا؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته من التدرج في ترك المعصية وتحقيق التوبة ليس كفرا ولا إثما، بل هو كلام صحيح إذا لم يكن ثم طريق إلى التوبة غير الكف عن الذنب شيئا فشيئا، فهذا خير من الإقامة عليه جملة مع اعتقاد العاصي أنه لم يزل مذنبا مستحقا للعقوبة حتى تكمل توبته، يقول فضيلة الشيخ محمد العثيمين: تأخير إنكار المنكر قد يكون من باب استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله، فقد يكون هذا الرجل الفاعل للمنكر لا يناسب أن ننكر عليه في هذا الوقت بالذات، لكن سأحتفظ لنفسي بحق الإنكار عليه، ودعوته إلى الحق في وقت يكون أنسب، وهذا في الحقيقة طريق صحيح، فإن هذا الدين كما نعلم جميعا بدأ بالتدرج شيئًا فشيئًا، فأقر الناس على ما كانوا يفعلونه من أمور كانت في النهاية حرامًا من أجل المصلحة، فهذه الخمر مثلًا بين الله تعالى لعباده أن فيها إثمًا كبيرًا ومنافع للناس، وأن إثمها أكبر من نفعها، وبقي الناس عليها حتى نزلت آخر آية فيها تحرمها بتاتا، فإذا رأى إنسان من المصلحة أن لا يدعو هذا الرجل في هذا الوقت، أو في هذا المكان، ويؤخر دعوته في وقت آخر، أو في مكان آخر، لأنه يرى أن ذلك أصلح أو أنفع، فهذا لا بأس به. انتهى.

وقال ـ رحمه الله ـ في كيفية التوبة من التدخين: قد يقول قائل إن التخلص منه صعب، لكن أقول: إن الإنسان إذا عزم على فعل الأمر مخلصاً لله واستعان بالله عز وجل، وكان قوي النفس صادق العزيمة، فإنه يمكنه التخلص منه، وقد رأينا بعض الناس تخلصوا منه بصدق عزيمتهم واستعانتهم بالله عز وجل، وإذا لم يمكنه التخلص منه فوراً، فإنه يمكنه أن يتخلص منه بالتدرج، فبدل أن يتناول عشرين سيجارة في اليوم والليلة يقلل شيئاً فشيئاً حتى يتمكن من الخلاص منه، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية والتوفيق والخير. انتهى.

فما ذكرته من ترك المعاصي بالتدريج قد نبه على جوازه العلماء ـ كما رأيت ـ بشرط أن يبذل العاصي وسعه في التوبة، ويعتقد أنه فاعل لمحرم، فليس هذا كفرا ولا استباحة لما حرم الله، بل هو مشروع ـ كما بينا ـ إذا لم تتحقق المصلحة إلا به، وإن كان الأصل هو التوبة من جميع الذنوب على الفور، وأما من تاب من ذنوبه كترك الصلاة أو غيرها، فعليه أن يجتهد في تعلم ما يلزمه من أحكام الشرع، وأن يحافظ على طاعة الله، فيلزم الفرائض، ويكثر من النوافل، ولا نقول إنه يجب عليه أن ينكب انكبابا تاما على كتب العلم ونحوها، بل يتعلم ما يلزمه تعلمه، وما زاد من العلم فتعلمه مستحب لا واجب، ولبيان ما يجب على كل مسلم تعلمه تنظر الفتوى رقم: 170405.

وعلى هذا التائب أن يصحب أهل الخير والصلاح، ويكثر من لزوم حلق الذكر ومجالس العلم، ويجتهد في دعاء الله تعالى وذكره، وسؤاله التثبيت على الحق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني