الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانتحارهروب من كبيرة اليأس إلى كبيرة قتل النفس

السؤال

أعاني من مشكلة تأنيب الضمير، وذلك لأنني أمارس العادة السرية، وقد حدثت لي حالة من الإحباط نتيجة عصياني لربي، وذهبت إلي كثير من الاختصاصيين النفسيين ولم أحصل علي شيء، ولم أذهب إلى امتحان الثانوية العامة هذه السنة، وذلك لأنني لم أذاكر مذاكرة جادة مما قد يجعلني لا أحصل على مجموع هذه السنة، مما قد يدفعني للإحباط مرة ثانية ولا أحصل على مجموع السنة القادمة وينهار مستقبلي، أرجو أن أجد حلا سريعاً حتى أستطيع أن أتخلص من الإحباط، مع العلم بأنني من المتفوقين طوال عمري وأنني على حافة الانتحار؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد عد العلماء القنوط واليأس من رحمة الله من كبائر الذنوب، وهو صفة من صفات الكافرين، كما قال الله تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[يوسف:87].

وقد فتح الله سبحانه أبواباً واسعة للخروج من حالة اليأس والقنوط، والتي يتفرع منها الاكتئاب، والضيق، نذكر لك بعضاً من هذه الأبواب:

1- باب الاستغفار: يقول الله سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. فهو باب مفتوح ولو تكرر الذنب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبداً أصاب ذنباً، فقال: يا رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال له ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً آخر فقال: يا رب أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال: ربه عز وجل علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء، ثم عاد فأذنب ذنباً، فقال: رب اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت قد غفرت لك. متفق عليه.

وبجانب الاستغفار عليك بتجنب ما يثير شهوتك ويوقعك في هذه المعصية، فغضَّ بصرك، وابتعد عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات.

2- باب التوكل على الله عز وجل بصدق والاعتماد عليه: واللجوء إليه، وطلب العون منه، فلا تحزن على ما فاتك، ولا تخف مما هو أمامك، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: استعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم. فشدة خوفك من عدم حصولك على مجموع السنة القادمة، وقولك (ينهار مستقبلي) منافٍ لتوكلك على الله، فيجب أن تراجع نفسك في جعلك الدراسة هي أكبر همك وكل مستقبلك، وليس الأمر كذلك، فضع الأمور في نصابها، ولا تعطها أكثر من حقها.

3- باب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره: حتى في عدم ذهابك إلى امتحان الثانوية، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. رواه البيهقي في شعب الإيمان. فعدم ذهابك ابتلاء وقدر من الله، فعليك بالإيمان بقضاء الله وقدره.

4- مساعدة الآخرين وإدخال السرور والتنفيس عنهم: خاصة الوالدين وإخوانك، فالإحسان إلى الخلق طريق لتفريج الكروب إذ الجزاء من جنس العمل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان في عون أخيه. رواه مسلم.

5- الإكثار من ذكر الله تعالى: فبه تطمئن القلوب، ويتنحى عنك الشيطان، وعليك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال. رواه أحمد بسند صحيح.

وأخيراً اعلم أن هروبك بالانتحار ليس فيه راحة كما يصوره الشيطان لك، بل هو هروب من كبيرة اليأس إلى كبيرة أكبر، تعجل بالعذاب الأليم. يقول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:30]، وراجع الفتوى رقم: 5012.

وفقك الله وأصلح بالك وهداك لكل خير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني