الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموقف من مسائل الخلاف يختلف بحسب مرتبة الشخص

السؤال

عندي إشكال بخصوص اختلاف العلماء؛ فمثلًا الموسيقى فيها عدة أقوال بين المجيز والمحرم، فهل يجوز سماعها حينئذ؟ وأيضًا الحجاب، فهناك من يقول بجواز كشف الوجه، فهل أكشف وجهي وليس عليّ إثم؟ وكذلك الطق؛ فأنا متزوجة وزوجي يطلب مني أن نستمع للدف، ويرى أنه مسألة خلافية، فهل عليّ طاعته أم آثم؟ وأيضًا ممارسة العادة السرية؛ فهناك من العلماء أو المذاهب من رخص فيها، وعندما أتورع عن هذه المسائل الخلافية، وأتركها لوجه الله، فهل أنا معقدة ومتشدده ومنفرة عن الدين؟ لأنني بدأت أحس أنني مخطئة في حق الله عندما أرى تركها.
وعندما يسألني أحد ما عن حكمها أنصحه بالترك؛ لأنها مسألة خلافية، وتركها أولى، ولكن يأتيني من يناقشني، ويقول لي: إنني منفرة من الدين ومتشددة، ويقول لي: إن خلاف العلماء رحمة، والإنسان المتشدد الصعب يأخذ بالتحريم لأن هذه شخصيته، أما الإنسان السهل المتسامح فيأخذ بالرخص، ويفرح بها؛ لأنها رحمة، علمًا أن مجتمعي مجتمع متساهل، وكثيرًا ما يأخذون بالرخص، ويقرؤون في مذاهب العلماء، ثم يفتون أنفسهم بالذي يجدونه مناسبًا لهم، ولا يسمحون لأحد بأن ينكر عليهم؛ لأنهم قرؤوا خلاف العلماء، وأنهم طلبة علم و .. إلخ.
ولا يأخذون بفتاوى ابن عثيمين، وابن باز، ويرون أن هناك علماء أفاضل في بلاد أخرى، وفي مذهب آخر يأخذون بقولهم. بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالموقف من مسائل الخلاف يختلف بحسب مرتبة الشخص نفسه، فمن تأهل للاجتهاد، أو للتمييز بين أقوال العلماء لمعرفة الراجح الأقرب إلى الدليل، فهذا حقه أن يعمل بما أدّاه إليه اجتهاده.

وأما العامي المقلّد فإنه يقلّد الأعلم والأوثق في نفسه من أهل العلم بحسب ما يظهر له، ولا يجوز له أن يتتبع الرخص أخذًا بالأيسر مطلقًا، على سبيل التشهي، واتباع الهوى، دون مرجّح شرعي ـ فهذا منكر لا يجوز، وقد حكى ابن عبد البر، وابن حزم الإجماع على ذلك، وقال النووي: ليس للمفتي، والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. اهـ. وراجعي تفصيل ذلك في الفتويين: 133956، 140418.

فإذا تكافأ عنده أهل العلم، ولم يجد ما يرجح به بينهم، فقيل: يأخذ بالأشد؛ لكونه أحوط، ولحصول براءة الذمة به بيقين. وقيل: يأخذ بأي الأقوال شاء ما لم يقصد تتبع الرخص. وقيل: يأخذ بالأيسر؛ لكون الشريعة مبنية على التخفيف، وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين، كما سبق أن بيناه في الفتويين: 170671، 169801.

وأما مسألة الخروج من الخلاف بالأخذ بالأورع، فهذا من الفضائل المستحبة التي يمدح عليها صاحبها، طالما لم تستبن له الأدلة، وخفي عليه وجه السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه: أما الخروج من اختلاف العلماء فإنما يفعل احتياطًا إذا لم تعرف السنة، ولم يتبين الحق.. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب مراعاة الخلاف في الجملة، باجتناب ما اختلف في تحريمه، وفعل ما اختلف في وجوبه. اهـ. وقد سبق لنا تفصيل القول في هذه المسألة في الفتوى رقم: 204754.

ولا فرق في هذه الاستحباب بين التزام المرء به في نفسه، وبين نصحه لغيره بفعله، طالما لم ينكر الخلاف، ولم يضيق واسعًا، بل أشار فقط بالأفضل والأورع على من سأله.

وأخيرًا ننبه على أن المسائل التي ذكرتها السائلة، منها ما فيه خلاف سائغ معتبر، كالخلاف في كشف المرأة وجهها، وسماع الدف، ومنه ما فيه خلاف ضعيف، كسماع سائر المعازف.

وراجعي في تفصيل ذلك الفتاوى التالي أرقامها: 163795، 176031، 263251، 232915.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني