الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينقص من ثواب المسلم في الآخرة بقدر ما أخذ من النعيم في الدنيا؟

السؤال

جزاكم الله كل خير على جهودكم، وبارك الله في علمكم، وفقهكم وأعمالكم.
ورد في صحيح الترغيب والترهيب: "عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: لا يصيب عبد من الدنيا شيئًا إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريمًا " فما معنى الحديث؟ وهل يدخل في هذه المعنى أيضًا حديث: "إن عباد الله ليسوا بالمتنعمين"؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحديث الذي سألت عنه، ورد في المصنف لابن أبي شيبة, والترغيب والترهيب, وغيرهما, وقال عنه الشيخ الألباني: رواه ابن أبي الدنيا، وإسناده جيد، وروي عن عائشة مرفوعًا، والموقوف أصح.

وهذا الحديث يفيد أن المسلم يُنقص من ثوابه في الآخرة بقدر ما يتناوله من ملذات الدنيا, وشهواتها، يقول ابن رجب الحنبلي: والمقتصد منهم أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجباتها، وأمسك لنفسه الزائد على الواجب، يتوسع به في التمتع بشهوات الدنيا، وهؤلاء قد اختلف في دخولهم في اسم الزهادة في الدنيا، كما سبق ذكره، ولا عقاب عليهم في ذلك، إلا أنه ينقص من درجاتهم في الآخرة بقدر توسعهم في الدنيا. قال ابن عمر: لا يصيب عبد من الدنيا شيئًا إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريمًا. خرجه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد. وروي مرفوعًا من حديث عائشة بإسناد فيه نظر. وروى الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده: أن رجلًا دخل على معاوية، فكساه، فخرج فمر على أبي مسعود الأنصاري، ورجل آخر من الصحابة، فقال أحدهما له: خذها من حسناتك، وقال الآخر: خذها من طيباتك.

وقال الفضيل بن عياض: إن شئت استقل من الدنيا، وإن شئت استكثر منها، فإنما تأخذ من كيسك. انتهى.

أما الحديث الثاني, فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به إلى اليمن قال: إياك والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين. وصححه الألباني في الصحيحة.

وهذا الحديث يشتمل على التحذير من المبالغة في تحصيل شهوات النفس, وملذاتها، ففي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للهروي: وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما بعث به) أي: أرسله (إلى اليمن) أي: قاضيًا أو واليًا (قال: "إياك والتنعم"): وهو المبالغة في تحصيل قضاء الشهوة على وجه التكلف في البغية بتكثير النعمة، والحرص على النهمة، ("فإن عباد الله") أي: المخلصين ("ليسوا بالمتنعمين")، بل التنعم مختص بالكافرين والفاجرين، والغافلين والجاهلين، كما قال تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون} [الحجر:3]، وقال: {ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد:12]، وقال: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين}. انتهى.

والحديثان قد وردا في مسألة واحدة وهي الحث على الزهد في الدنيا، والتحذير من الركون إليها, فالحديث الثاني فيه تحذير صريح من المبالغة في التنعم, والحديث الأول فيه نفس المعنى، فإذا كان المسلم يُنقص من ثوابه في الآخرة بقدر ما أخذ من الدنيا, فهذا تحذير له من الركون إلى شهوات الدنيا, وملذاتها، وراجع لمزيد الفائدة، الفتوى رقم: 61760.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني