الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الانتحار

السؤال

أنا أحاول دائما أتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، لدي حسناتي ولدي سيئاتي، ولكني دائمًا أضع رب العالمين سبحانه وتعالى فوق كل شيء في عقلي وفي حياتي .
عندي مشكلة مع زوجة أبي منذ فترة طويلة أعاني منها، أختي شقيقتي سافرت للعمل في الخارج، وكنت ضد ذلك لحرمة السفر بلا محرم، ولكني حتى لم أخبرها بذلك لأني أعلم أنها اضطرت لذلك، عندما حاولت فعل نفس الشيء أنبني ضميري كثيرًا حتى أنني قمت بإلغاء سفري في آخر لحظة، ولكن ما حدث أن نفسيتي تدهورت والأمور ساءت أكثر من الأول، وحدثت كوارث لم أكن أتوقعها وغاب عني الأهل والأقارب .
الآن في كل صباح أخشى ألا يستيقظ أبي - لا قدر الله - فأعاني حق المعاناة مع زوجته، كثيرًا ما يخيل لي أن أقتلها من شدة ما فعلت بي . وكثيرًا ما حاولت الانتحار، ولكني أحاول أنقذ نفسي حتى أنهم ذهبوا بي إلى المستشفى آخر محاولة انتحار لي، يعد أن أخبرتهم بما فعلت بنفسي، قدمت للسفر مرة أخرى وتم قبولي، ولكني الآن مرة أخرى أشعر بتأنيب الضمير . فهل تعتبر حالتي هذه حالة اضطرار؟ نظرًا لأن الأقارب لم يفتحوا لي باباً عندما لجأت إليهم . أرجو إفادتي بالرد . جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الانتحار من كبائر الذنوب، وعلامات سوء الخاتمة، والمُقدِمُ عليه يُخرج نفسَه من ظلمة نكد العيش في هذه الدنيا -على حد زعمه- فإذا هو يُدخلها في ظلمات العذاب في الآخرة، وأولها ظلمة القبر وشدة عذابه، ثم ظلمات جهنم وما يلاقيه من العذاب الشديد، جزاء بما اقترفت يداه، ففي المسند والصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.
واحمدي الله -أيتها الأخت السائلة- أن نجاك الله من الانتحار، وبادري بالتوبة من هذا الذنب الكبير، وإياكِ ثم إياكِ أن تفكري مرة أخرى فيه؛ فإن عذاب الآخرة لا يطاق ولا يقاربه عذاب في الدنيا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم.
فأقبلي على الله تعالى، واستبشري بمغفرة الله وموعوده، فإنه القائل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}. وأكثري من فعل الصالحات وقراءة القرآن، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
واصبري على ما أصابك، فكل الناس ذو مصاب وامتحان، ولكن الفائزون منهم هم أهل الصبر. قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}. وإن أي مصيبة في الدنيا تهون إذا قورنت بمصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم، وفوات رؤيتنا له وصحبتنا إياه، ولله در القائل:
اصبر لكل مصيبة وتجلد * واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد

وأما عن حكم سفرك إلى خارج بلادك من دون محرم هروبا مما أنت فيه من معاناة، فنقول: إن جماهير أهل العلم على أن سفر المرأة بغير محرم لا يجوز إلا عند الضرورة، وقد رخص بعض العلماء في السفر عند أمن الفتنة في بعض الأحوال، وانظري الفتويين رقم: 173927، ورقم: 173887.
وحيث إننا لا نعلم حقيقة واقعك وحالك فلا يمكننا الحكم بجواز سفرك بدون محرم للضرورة، أو أن ننفي الجواز، ولكننا نقول كلاما مجملا، وهو: أن معاناتك لو اندفعت بدون السفر بلا محرم، كأن تنتقلي إلى مكان آخر لا يعتبر الذهاب إليه سفرا، أو كانت المعاناة محتملة فلا يجوز لك السفر بلا محرم. وأما إذا لم تندفع المعاناة الشديدة إلا بالسفر بلا محرم، وكان السفر إلى بلد تحافظين فيه على عرضك ودينك فيجوز حينئذ للضرورة أو الحاجة الشديدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني