الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نية طالب العلم في تعلم علوم الوسائل

السؤال

سؤالي: كل ما صنف من العلوم الشرعية، من جميع الفنون نافعة، ومفيدة لطالب العلم، ولا يستغني عنها، ويؤجر عليها طالب العلم إن قصد بها وجه الله، وصلحت نيته. فالحمد لله لم أطلب العلم إلا وأنا أعلم الآن أن نيتي خالصة لوجه الله، لكن هناك علوم لا أدري ما أهميتها تحديدا، لكني أريد قراءتها والتقدم فيها؛ لأن العلماء أوصوا بها، وأعلم أن طالب العلم ينبغي له قراءتها كعلوم النحو والصرف، والبلاغة، والأدب، والتاريخ، وأصول التفسير، وقصص الأنبياء، وسيرة الصحابة، والزهد والرقائق، والتزكية، والتاريخ الإسلامي وغيرها، فكلها مفيدة، وتخدم العلوم الشرعية، لكن لا أعلم أهميتها تحديدا، لكن أخاف إن قرأتها أن لا أؤجر عليها، وأن تكون نيتي غير خالصة، ونيتي هي في هذه العلوم (أن العلماء أوصوا بها، وهم أعلم وأحكم مني، وأنا كطالب علم ينبغي علي متابعتهم كغيري من طلاب العلم، وأن العلماء لو لم تكن مهمة لما قرءوها، وأنفقوا وقتهم عليها في تأليفها، وقراءتها، فينبغي علي قراءتها؛ لأنها كتب مفيدة ونافعة، ولا شك أنها تخدم العلوم الشرعية، يعني مثلا ابن عثيمين قال: من أراد أن ينهل من العلم ويتمكن من العلم، ويكون من أهل العلم، ينبغي له أن يقرأ من هذه العلوم.
وأيضا نيتي أني كطالب علم، ينبغي علي السير على منهج طلب علم صحيح، ووفق ضوابط معينة يسير عليها كل طالب علم، وهذه العلوم وفق هذا المنهج الصحيح، وأقرؤها؛ لأنها علوم مكملة للعلوم الشرعية الأصلية، ولا يسعني تجاهلها، ولأنها تخدمها)
فهل هذه نية صالحة، وأؤجر عند قراءتي هذه العلوم بهذه النية؟ وإذا كان الجواب: لا، فأشيروا علي بالنية الصالحة التي أؤجر عليها، فأنا لا أريد أن أقرأ هذه الفنون التي ذكرتها لكم، وأنفق وقتي في قراءتها، ولا أؤجر عليها؟
وما دامت نيتي خالصة لوجه الله في طلبي للعلم، ليس معنى هذا أنني إذا كنت لا أعرف أهميتها تحديدا، يعني أنني لست مخلصا في قراءتها. فهذا ما قلته، لكن يأتيني الوسواس ويقول لي: يجب أن تنوي لها نية خاصة، وأنت لن تؤجر، يعني والله العظيم يا شيوخي لقد مللت، وأنا أعلم انني أثقلت عليكم يعني: أيعقل كمثال: ( فن الأدب له نية، وفن اللغة له نية، وفن النحو والصرف له نية، والزهد والرقائق له نية، والتراجم والأعلام لها نية، وسيرة الصحابة لها نية، وعلوم الحديث لها نية، والتاريخ له نية، وكل فن أنوي له نية خاصة. أليس هذا تكلفا؟ فقد طلبت العلم وأخلصت به لوجه الله، فبعدها علي أن أطلب العلم بجميع فنونه كما أوصى أهل العلم والعلماء، ووضحوا منهجية طلب العلم الصحيحة؛ لأني أعلم أنها كلها مفيدة ومهمة أليس كذلك؟
وهل عندما أقرأ هذه العلوم وهذه الفنون، أدخل في كل آية وحديث عن فضل العلم وأهله؟
أرجوكم وأسألكم بالله أن تجيبوني سريعا؛ لأنني محتاج إلى ذلك.
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعلم الشرعي هو العلم الذي يخدم الشرع، فيشمل ما كان مطلوبًا تعلمه لذاته كالتفسير والحديث، والفقه والعقيدة، ويشمل ما كان مطلوبًا من باب الوسائل كالعلوم المساعدة مثل اللغة والنحو، والأصول، ومصطلح الحديث، والبلاغة وغير ذلك.

وقد ذكر الشيخ عليش في كتابه: (منح الجليل شرح مختصر خليل) عند شرحه قول الشيخ خليل: ( كالقيام بعلوم الشرع) أن علم الشرع: هُوَ مَا يَحْتَاجُهُ الشَّخْصُ فِي نَفْسِهِ وَمُعَامَلَتِهِ، مِنْ فِقْهٍ وَأُصُولِهِ، وَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ، وَعَقَائِدَ، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَنَحْوٍ وَلُغَةٍ وَصَرْفٍ وَبَيَانٍ وَمَعَانٍ. انتهى.

وقد سبق أن بيَّنا الفرق بين علوم المقاصد، وعلوم الوسائل في الفتوى رقم: 57232. ولا يضرك عدم معرفة وجه كون بعض العلوم (التي يوصي العلماء بتعلمها) أنه من علوم الشريعة؛ لأنك مبتدئ في طلب العلم، وطلبك لها حينئذ لا ينافي الإخلاص، ويكفيك في تحصيل أجر تعلُّمها، قَصْدُ التقرب إلى الله بذلك، ولا تستجب للوساوس التي تنفرك من تعلمها؛ لأن عاقبة الاسترسال في هذه الوساوس هي الانقطاع عن طلب العلم بالكلية. والذي نوصيك به أن لا تطلب العلم وحدك بدون مرشد يوجهك؛ فإن العلم درجات، ومناقل، ورُتب، ولا ينبغي البدء في مرحلة منه إلا بعد الانتهاء من المرحلة التي قبلها، وطالب العلم المبتدئ لا يستطيع معرفة ذلك بدون معلم مرشد ناصح، فيدله على منهج متكامل يراعي التوازن في دراسة العلوم، ويراعي التدرج في مستويات كل علم.

قال ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله): طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ، وَمَنَاقِلُ، وَرُتَبٌ، لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا، وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني