الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث تفلت القرآن والدعاء الوارد فيه

السؤال

ما صحة هذا الحديث الوارد في حفظ القرآن الكريم: عن ابن عباس، أنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاءه علي بن أبي طالب، فقال: بأبي أنت وأمي، تفلت هذا القرآن من صدري، فما أجدني أقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات، ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟»، قال: أجل، يا رسول الله، فعلمني، قال: " إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر، فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: {سوف أستغفر لكم ربي}، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع، فقم في وسطها، فإن لم تستطع، فقم في أولها، فصلّ أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد، فاحمد الله، وأحسن الثناء على الله، وصلّ عليّ، وأحسن، وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدًا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا ألله، يا رحمان بجلالك، ونور وجهك، أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا ألله، يا رحمان بجلالك، ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك، ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن، فافعل ذلك ثلاث جمع، أو خمسًا، أو سبعًا، تجب بإذن الله، والذي بعثني بالحق، ما أخطأ مؤمنًا قط"، قال عبد الله بن عباس: فوالله، ما لبث علي إلا خمسًا، أو سبعًا؛ حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله، إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات، أو نحوهن، فإذا قرأتهنّ على نفسي، تفلتن، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية، أو نحوها، وإذا قرأتها على نفسي، فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدثت بها، لم أخرم منها حرفًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «مؤمن -ورب الكعبة-، يا أبا الحسن»؟ وما حكم المواظبة على شيء من الصلوات، والأدعية التي تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها في وقت محدد؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث الطويل المشتمل على دعاء لحفظ القرآن الكريم، رواه الترمذي، والحاكم في المستدرك، وهو حديث موضوع، لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع التعبد بما فيه، لا سيما مع تضمنه لصلاة غريبة، ليس لها نظير في الصلوات المشروعة الثابتة، قال الإمام الذهبي -رحمه الله- في تعليقه على المستدرك: هذا حديث منكر شاذ. وقال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الوليد بن مسلم: قلت: أنكر ما له، حديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي … وساق الحديث بتمامه. ثم قال: قلت: هذا عندي موضوع. والسلام.

وممن حكم بوضعه العلامة الألباني -رحمه الله- في ضعيف الترمذي.

والحديث الموضوع لا يعمل به في فضائل الأعمال، ولا غيرها، ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق.

ومما يجب معرفته في هذا المقام أن العبادة مبناها على التوقيف، فلا يُعبد الله، إلا بما شرعه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وليس لأحد أن يستحسن عبادة، لم تثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.

ومما دأب عليه أهل البدع: إشغال المسلمين بأذكار، وصلوات، وأدعية، يحددون لها أعدادًا معينة، ويختارون لها أوقاتًا، وكيفيات، لم تثبت في الشريعة، وهذا من تزيين الشيطان لهم سوء أعمالهم، فإن في السنة الصحيحة غنية، وكفاية؛ لمن أنعم الله عليهم بالهداية، وعرفوا قدر السنة، وحذروا من الوقوع في البدعة، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم.

ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الغاية في الاتباع، والحرص على الخير، أن اخترع ذكرًا، أو دعاء، أو صلاة بعدد معين، في وقت معين، ولا شك أن العدول عن طريقهم باب إلى الخسران، قال حذيفة -رضي الله عنه-: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا، فاتقوا الله -يا معشر القراء-، وخذوا طريق من كان قبلكم.

وجاء عنهم، وعمن بعدهم من الأئمة إنكار كثير من الأمور المبتدعة، التي يستحسن أمثالها مبتدعة زماننا، زاعمين أنها من البدع الحسنة، فهذا مجاهد -رحمه الله- يقول: كنت مع ابن عمر، فثوّب رجل في الظهر والعصر، فقال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة. والتثويب هو: الوقوف عند باب المسجد، والمناداة: الصلاة الصلاة.

وروى محمد بن وضاح أن الناس اجتمعوا بعد العصر من يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعون، فخرج نافع مولى ابن عمر، فقال: يا أيها الناس، إن الذي أنتم فيه بدعة، وليست سنة، أدركت الناس لا يصنعون هذا. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه أن سعيد بن المسيب -رحمه الله- رأى رجلًا، يكرر الركوع بعد طلوع الفجر، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة.

ومما بين الشاطبي -رحمه الله- دخوله في حد البدعة: التزام الكيفيات، والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، وما أشبه ذلك.

ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته. انتهى. نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه، ويرضاه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني