الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يثبت العلم والكتابة دون المشيئة والخلق في مراتب القدر

السؤال

ما حكم من يقول في القدر إن الله علم ما ستفعل، فكتب ذلك، ولست تفعل ذلك لأن الله كتبه؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمعلوم أن أهل السنة يؤمنون بقضاء الله تعالى وقدره، بمراتبه الأربعة: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، فيؤمنون بعلم الله القديم المحيط بكل شيء، ومنه ما الخلق عاملون، وأنه سبحانه كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، وأنه عز وجل شاء ذلك سلفا، ومشيئته نافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه تعالى خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال عباده، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 20434، ورقم: 60787.

وإن كان المقصود إثبات مرتبتي: العلم والكتابة، دون مرتبتي: المشيئة والخلق!! فهو بذلك يتوافق مع مذهب طائفة من القدرية، وهم الذين يثبتون العلم والكتابة، وينفون المشيئة والخلق، فجمعوا بذلك بين حق وباطل، كما هو حال المبتدعة من أهل القبلة، فلا هم أصابوا السنة، ولا هم خرجوا من الدين، بخلاف القدرية النفاة لعلم الله، فهؤلاء خرجوا من الدين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال. اهـ.
وقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: القدرية فرقتان:

الأولى: تنكر ما ذكرنا من سبق العلم بالأشياء قبل وجودها، وتزعم أن الله لم يقدر الأمور أزلا، ولم يتقدم علمه بها، وإنما يأتنفها علما حال وقوعها، وكانوا يقولون: إن الله أمر العباد ونهاهم، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، ولا من يدخل الجنة ممن يدخل النار حتى فعلوا ذلك، فعلمه بعد ما فعلوه... قال العلماء: والمنكرون لهذا انقرضوا، وهم الذين كفرهم الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد وغيرهم من الأئمة رضي الله عنهم...
الثانية من فرقتي القدرية: المقرون بالعلم، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: القدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال، وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول.... قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وأما هؤلاء ـ يعني الفرقة الثانية ـ فإنهم مبتدعون ضالون لكنهم ليسوا بمنزلة أولئك، قال: وفي هؤلاء خلق كثير من العلماء والعباد، كتب عنهم، وأخرج البخاري ومسلم لجماعة منهم... اهـ.
والحاصل أن الكلام المسئول عنه إن كان يقصد به نفي مرتبتي المشيئة والخلق، فهو في الحقيقة يوافق مذهب هذه الطائفة الثانية من القدرية، فلا تصح العبارة على مذهب أهل السنة، لأنها تغفل مرتبتي المشيئة والخلق، ولرد هذ المذهب وإبطاله مجال آخر، ويكفي فيه الرجوع لمبحث القضاء والقدر في كتب العقيدة، ومن أيسرها وأقربها مأخذا رسالة في القضاء والقدر للشيخ ابن عثيمين، ورسالة: القضاء والقدر ـ للدكتور عمر بن سليمان الأشقر، وانظر للفائدة الفتويين رقم: 136263، ورقم: 170039.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني