الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يثبت أصل الإيمان بالمعرفة الإجمالية ثم يقوى ويزيد بمعرفة التفاصيل

السؤال

كانت معرفتي للقدر هي: أن الله علم كل شيء أبدا، وأزلاً، وقد كتبه في اللوح المحفوظ، وكل شيء بمشيئته سبحانه، لكن مسألة خلق أفعال العباد سمعتها كاسم لكتاب، للإمام البخاري، فقلت بها، لكنني لا أعي معناها، ولم أعرف إلا قبل فترة بسيطة أنها من القدر، ولما عرفت ذلك قلت به يقينا، بحيث إنني لو رفعت يدي، فقد خلق الله لي هذا الفعل، وبالفعل كان إيماني بالقدر ناقصا، بحيث لم أكن مؤمنا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يصح نفي الإيمان بسبب الجهل ببعض تفاصيله، وإنما غاية ذلك أن الإيمان يزيد ويقوى بعد العلم والمعرفة، ولكن الإيمان المجمل السابق على العلم المفصل، ينفع صاحبه، ويرفع عنه الكفر والفسق.

والناس يتفاضلون في إيمانهم من وجوه كثيرة، منها جهة الإجمال، والتفصيل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان الكبير: لو آمن الرجل بالله وبالرسول باطناً، وظاهرا، ثم مات قبل أن يعرف شرائع الدين، مات مؤمنا بما وجب عليه من الإيمان، وليس ما وجب عليه، ولا ما وقع عنه، مثل إيمان من عرف الشرائع، فآمن بها، وعمل بها؛ بل إيمان هذا أكمل وجوباً، ووقوعا؛ فإن ما وجب عليه من الإيمان أكمل، وما وقع منه أكمل. اهـ.

وقال أيضاً: الإنسان قد يكون مكذباً، ومنكرا لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها، وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذب، ولم ينكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق، ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية، أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يفسر له معناه، أو يظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فيصدق بما كان مكذبا به، ويعرف ما كان منكرا، ‌وهذا ‌تصديق ‌جديد، وإيمان جديد، ازداد به إيمانه، ولم يكن قبل ذلك كافرا، بل جاهلا. اهـ.

وقال في رسالة الفرقان: ومن الناس من يؤمن بالرسل إيمانا مجملا، وأما الإيمان المفصل: فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل، ولم يبلغه بعض ذلك، فيؤمن بما بلغه عن الرسل، وما لم يبلغه، لم يعرفه، ولو بلغه لآمن به؛ ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيمانا مجملا، فهذا إذا عمل بما علم أن الله أمره به، مع إيمانه وتقواه، فهو من أولياء الله تعالى، له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه، وما لم تقم عليه الحجة، فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته، والإيمان المفصل به، فلا يعذبه على تركه؛ لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك، فمن علم بما جاء به الرسل، وآمن به إيمانا مفصلا، وعمل به، فهو أكمل إيمانا، وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلاً، ولم يعمل به؛ وكلاهما ولي لله تعالى، والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات، بحسب إيمانهم، وتقواهم. اهـ.

وعلى ذلك؛ فقد ازداد إيمان السائل بعد علمه بدخول مرتبة الخلق في الإيمان بالقدر، ولكنه لم يكن قبل ذلك منكرا للقدر، وإنما عنده إيمان مجمل فيه نقص، فازداد بعد علمه بشيء من التفاصيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني