الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده

السؤال

أود معرفة الحكم الشرعي لهذه المسألة: منذ زمن تم عقد قراني على شاب, وفي يوم الزفاف لم يتجاوز عمري 18، فقام أبي بإهدائي هدية الزواج خمسة عشر ألف يورو، وملكني هذا المبلغ, وقد قام بسؤالي إن كنت أرغب بقبض هذا المبلغ في تلك الليلة.. وكما ذكرت كنت صغيرة, فقلت له أبقها عندك الآن، فقال لي: إذاً أشهد الله بأن لك هذه الأمانة عندي, وعند احتياجك لها اطلبيها وسأردها لك متى شئت ـ بإذن الله ـ وكتب لي ورقة، وقام بتوقيعها وأشهد أمي وإخوتي على ذلك، وتركتها أمانة عنده، مع العلم بأن والدي في تلك الأيام كان يملك عقارات وأملاكا ولديه المال الوفير، وأيضا، قام بقبض مهري بعد فترة من الزمن، وكل المبلغ وضعته عنده أمانة، وأنا الآن بعد مرور ما يقارب ١٢ سنة على ما حصل في تلك الأيام، أطلب منه المبلغ، لأنني بحاجة إليه، فأنا متزوجة ولدي طفل، وأحتاج لكل أمانتي التي استأمنته عليها في صغري، وعندما كلمته في الأمر، في بداية الأمر أنكر كل حقي عنده، وبعد حوارات بيننا قال لي بأن له الحق باسترداد هذه الهدية وهذا المال الذي ملكني إياه متى شاء، وذكر لي أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام في موضوع الهبة، وعندما ملكني وأهداني هذا المبلغ لم يقل بأنه هبة، وإنما قال بأنها هدية زواجك، وهي لك، كما أهديت أختك الكبرى مثل هذا المبلغ فهذا لك.. ولديه ما يكفيه لرد أمانتي ويزيد، فهل لي الحق في استرداد هذه الأمانة؟ أم أنه يحق لوالدي أخذها بالرغم من رفضي لذلك؟ وما الفرق بين الهدية والهبة؟ وما هي الضوابط والشروط لكل واحدة منهما؟ ونحن نعيش في بلد أوربي، وليس لدينا شخص مؤهل لسؤاله في المسألة وحكمها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجوز للأب عند الجمهور أن يرجع فيما وهبه لولده إذا كان باقياً، ولم يتعلق به حق غيره، ولم يزد زيادة متصلة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ لأحدٍ أَنْ يُعْطِي عَطِيَّةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ.. رواه الترمذي.

قال ابن قدامة رحمه الله: ...للأب الرجوع فيما وهب لولده، وهو ظاهر مذهب أحمد.... وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور.

وقال: وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:

أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن....

الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد....

الثالث: أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد.....

الرابع: أن لا تزيد زيادة متصلة... اهـ

فعلى قول الجمهور يجوز لأبيك أن يرجع فيما وهبه لك من المال، لكن إذا كان وهب لأختك مثل هذا المبلغ، فقد فضلها عليك في الهبة، وهذا غير جائز على القول الراجح عندنا، والواجب عليه أن يسوي بينكما في الهبة، والتسوية تكون بإعطائك مثل ما أعطاها، أو برد ما أعطى أختك كما رد عطيتك، قال ابن قدامة رحمه الله: فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم فيها إثم ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما إتمام نصيب الآخر. اهـ

أمّا المهر الذي أودعته إياه، فلك مطالبته به عند الجمهور، قال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير على متن المقنع: وليس للابن مطالبة أبيه بدين..... وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي له ذلك، لأنه دين ثابت فجازت المطالبة به كغيره. اهـ

واعلمي أنّ الهدية نوع من الهبة فلها أحكامها وشروطها، إلا أنّ بعضهم فرق بينهما بأن الهبة تفتقر إلى القبول بخلاف الهدية، قال العمراني رحمه الله: الهبة والهدية وصدقة التطوع حكمها واحد، وكل لفظ من هذه الألفاظ يقوم مقام الآخر. اهـ

وقال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير على المقنع: والهدية والصدقة نوعان من الهبة، والهبة والعطية تشمل الكل، وكذلك النحلة، ومعانيها كلها متقاربة، إلا أنه في الغالب من أعطى شيئا ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاجين، سمي صدقة، وإن دفع إلى غير محتاج للتقرب والمحبة فهي هبة، ومن بعث على هذا الوجه إلى إنسان مع غيره سمي هدية، وكل ذلك مستحب مندوب إليه، وأحكام ذلك أحكام الهبة، ويشترط لها ما يشترط من الشروط على ما سبق. اهـ

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: والصلة بين الهبة والهدية أن كلا منهما تمليك في الحياة بلا عوض، غير أن الهبة يلزم فيها القبول عند أكثر الفقهاء، ولا يلزم ذلك في الهدية. اهـ

وقد فرق بينهما الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ بأن الهدية يقصد بها التودد والتحبب إلى الشخص دون النفع، ولهذا تُهدي لإنسان غني أغنى منك، أما الهبة فيقصد بها نفع الموهوب له فقط. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني