الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز التكفير إلا بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع

السؤال

السلام عليكم
تناقشت اليوم مع صديق لي عن أحكام التكفير فقلت أنا إنه لا يجوز لنا أن نكفر أحداً قال شهادة الإسلام واستندت إلى الحديث الوارد عن الصحابي الذي قتل الكافر بعد أن قال الشهادة ليقي نفسه القتل ونهاه عن ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام واستندت أيضأ إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم المنافقين ولم يقاتلهم واستند هو إلى حرب سيدنا أبي بكر للردة لعدم دفع الزكاة فقط واستند أيضاً إلى أن السحرة كفرة ومنهم من يصلي ويصوم فهل أفدتمونا أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجوز تكفير من ثبت إسلامه إلا إذا أتى بمكفر اعتقادي كالشك في الله أو في ملائكته، أو قولي كسبِّ الله تعالى أو رسوله أو كتابه، أو عملي كإلقاء المصحف في القاذورات أو السجود لغير الله - على سبيل العبادة - فمن فعل شيئًا مما ذكر فقد خرج من ملة الإسلام ولا تنفعه لا إله إلا الله؛ لأنه أتى بما ينقضها، ومن نواقضها أيضًا: الامتناع عن الفرائض كالزكاة، ولذلك قاتل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مانعي الزكاة، واعتبرهم مرتدين، ووافقه على ذلك الصحابة - رضي الله عنهم - بعد وقوع خلاف في أول الأمر بينه وبين عمر - رضي الله عنه - حيث قال له عمر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله.؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق متفق عليه. قال أبو عبيد في كتابه الإيمان (ص57): فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند الإقرار وأعطوه ذلك بالألسنة وأقاموا الصلاة غير أنهم ممتنعون من الزكاة كان ذلك مزيلاً لما قبله وناقضًا للإقرار والصلاة، كما كان إباء الصلاة قبل ذلك ناقضًا لما تقدم من الإقرار، والمصدق لهذا جهاد أبي بكر الصديق - رحمة الله عليه - على منع العرب الزكاة كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينهما في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لهما غير جاحدين بها. اهـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين وهم يقاتَلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله... اهـ وبكفرهم أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. وأما حديث أسامة المذكور في السؤال، فلا دلالة فيه على عدم كفر من أتى بمكفر، وإنما فيه أنه لا يجوز قتل الشخص إثر إعلانه الشهادتين؛ لأنه بذلك أعلن دخوله الإسلام، وبعد ذلك ينظر إن أتى بلوازم الشهادتين واجتنب نواقضها فهو مسلم، وإن أتى بما يناقضها فقد ارتد، فهذا مقتضى الجمع بين الأدلة؛ لأنه لا يصح أخذ بعض الأدلة وإهمال البعض الآخر كما هو معلوم، إلا أنه ينبغي التنبيه هنا إلى أمر وهو أن الشخص المعيّن قد يأتي بما هو كفر، ولكن لا يجوز تكفيره إلا بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع. كما بيناه في الفتوى رقم: 15255، والفتوى رقم: 12800. وأما تعلم السحر والعمل به فهو كفر على القول الراجح، كما في الفتوى رقم: 24767، ولا تنفع صاحبه لا إله إلا الله، وهذا يؤكد ما سبق تقريره من الحكم بالكفر على من أتى بمكفر، ولو كان ناطقًا بالشهادتين. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني