الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الرياء في أمور الدنيا

السؤال

أنا شاب أعمل في شركة، ومتزوج، أحمل شهادة الدبلوم في الهندسة المعمارية، وحياتي الاجتماعية فوق المتوسطة والحمد لله.
أريد أن أطور شهادتي إلى البكالوريوس، لكن أشعر دائما أن هذا التطوير سببه الرياء في نفسي (مكانة اجتماعية فقط).
فهل أكون ممن سيسألون عن علمه، حتى يقال عنه وقد قيل؟
انصحوني. جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الرياء المحرم إنما يختص بالعبادات المحضة كالصلاة ونحوها، وأما الأمور المباحة - كطلب الرزق، والعلوم الدنيوية كالهندسة- فطلب المكانة والجاه بها ليس محرما بإطلاق -كتحريم طلب الجاه بالعبادات-، بل قد يكون ذلك مباحا، وقد يكون طاعة، وقد يكون مذموما، وذلك بحسب الغرض المطلوب، كما بين ذلك الغزالي في الإحياء حيث قال: فإن قلت: فالرياء حرام أو مكروه أو مباح، أو فيه تفصيل؟

فأقول: فيه تفصيل، فإن الرياء هو طلب الجاه، وهو إما أن يكون بالعبادات، أو بغير العبادات، فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال، فلا يحرم من حيث إنه طلب منزلة في قلوب العباد، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب محظورات، فكذلك الجاه، وكما أن كسب قليل من المال هو ما يحتاج إليه الإنسان محمود، فكسب قليل من الجاه، وهو ما يسلم به عن الآفات أيضا محمود، وهو الذي طلبه يوسف عليه السلام حيث قال: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وكما أن المال فيه سم ناقع، ودرياق نافع، فكذلك الجاه، وكما أن كثير المال يلهي ويطغي، وينسي ذكر الله والدار الآخرة، فكذلك كثير الجاه بل أشد، وفتنة الجاه أعظم من فتنة المال، وكما أنا لا نقول تملك المال الكثير حرام، فلا نقول أيضا تملك القلوب الكثيرة حرام، إلا إذا حملته كثرة المال، وكثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز، نعم انصراف الهم إلى سعة الجاه مبدأ الشرور، كانصراف الهم إلى كثرة المال، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها، وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه، ومن غير اغتمام بزواله إن زال، فلا ضرر فيه. فإذن المراءاة بما ليس من العبادات قد تكون مباحة، وقد تكون طاعة، وقد تكون مذمومة، وذلك بحسب الغرض المطلوب بها. اهـ.

فننصحك بتطوير شهادتك ما دام ينفعك ذلك، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك. أخرجه مسلم. ولتحرص على تصفية قلبك من التعلق بطلب الجاه، مع عدم المبالغة في اتهام النفس الذي يجر إلى الوسوسة في شأن الرياء وطلب الجاه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني