الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا بأس بدفع اتهامات الأبوين الباطلة

السؤال

أنا أكتب إليكم الآن، وأنا أبكي، والله إني يائس مقهور في حيرة عظيمة حتى أني أريد قتل نفسي، ولا أجد من ينصحني، ويجبر خاطري، فانصحوني، وسأختصر لكم الكلام ما استطعت، وقد لا يبدو قابلا للتصديق، وهذا ما يزيدني قهرا وألما، فلا أحد سيصدقني.
يا سادتي أنا مجرد شاب عادي، أتعرض يوميا لأذى الوالدين حيث يمكران بي، ويكيدان لي، ويحرمانني في بعض الأحيان من الطيبات، ويخبئان عني بعض الأشياء خوفا من العين كما يقولان. وأتعرض لشتى أنواع القهر والاستبداد، وكل ذلك بدأ من يوم تخرجت من الجامعة
بدون وظيفة، وبدون شأن، ولا قيمة، في حين أن إخوتي أطباء وصيادلة، وصاروا مصدر فخرهما وافتخارهما بهم أمام الناس، وصارا يتباهيان بهم، بينما أنا صرت مصدر عار وخجل لهما كما يقولان لي، وأمراني أن أترشح إلى الدكتوراه لأنهما يخجلان بي، وصراحة حينها جرحني هذا الكلام كثيرا، فغضبت وقلت لهما لن أترشح (عنادا فقط لأنهما جرحاني) فصار ما من قريب يزورنا إلا وذكرا عيوبي، وكشفا ستري، وذماني حتى نطق قريب لي وقال له: كما تدين تدان، لربما كنت عاقا لوالديك، وهذا عقاب لك، وهنا سكت أبي وخجل، وصراحة أنا لم أفعل لهما شيئا سوى أني تجنبتهما واعتزلتهما في غرفتي؛ لأنهما يظهران لي دائما أنني ناقص وحقير الشأن، وهذا يجرحني، ولكني بعدها ترشحت، واعتذرت منهما.
والأغرب أنهما بعدها هاجا وشرعا يغتابانني عند أقاربي والناس فيقولان عني ما لا يقال فيطمسان حسناتي بعد أن كنت أعز أبنائهما،
ويفضحان عيوبي، ويكشفان ستري، وما يكون بين العبد وربه، وما يعرفه الوالدان من عيوب أبنائهم، وينسبان إلي كل العيوب الصادقة والكاذبة، وهذا فقط ليتبرآ مني، حتى لا يتبعهما عار بسبب شأني الذليل، وأيضا لأنهما خافا على أنفسهما بقول ذلك القريب حتى لا يثبت أن والدي كان مسيئا لوالديه، وصارا يعدان الخطط والحيل، ويمكران بي، ويكيدان لي، وصراحة والداي كثيرا السب والشتم للدين، وكثيرا حلف الغموس -اليمين الكاذب - وخاصة أبي نحو جدتي، فدائما أسمعه ينهر عليها ويسبها ويلقبها بألقاب قبيحة، مثل عجوز النار. أما جدي رحمه الله فإذا تكلم عليه أبي مع أمي يلقبانه بشيخ النار، وهكذا مع سب الدين، ودائما أنصحهما ألا يسبا وقد فتنتهما الدنيا والمظاهر، وخاصة أن إخوتي أطباء فصارا لا يصليان، ولايقرآن القرآن، ولا يذكران الله، ويسخران مني، ويستهزآن بي لتمسكي بالدين والصلاة، ولا يخافان الله في، وإني والله دائما أعتذر منهما، وأطلب مسامحتهما، وأسترضيهما بإمكانياتي المتواضعة، ولكن بدون جدوى، ودائما يعاملانني بالحيلة والمكر، وليس بصدق نية، وهذا الأمر يحزنني، وإن سألتهما لم كل هذا؟ وما سبب كرههما لي وحقدهما علي؟ وقلت لهما أنا ابنكما ولست عدوكما، ودائما أصارحهما بالحسنى، ومن القلب إلى القلب، ومن الابن إلى الوالدين، بأنهما يؤذيانني بغيبتهما ومكرهما وفضح ستري، وأنهما يقومان بتدمير سمعتي مع الناس كذبا وبهتانا، فينكران ذلك، وعندما أكشف لهما دليلي يخافان مني، ويحقدان علي، ولم أقصد ذلك؛ إلا أني أردت أن أعلمهما أني أعرف مكرهما، فلا داعي للنكران، وأني كنت على حق حينها، وأردت أن يعرفا أني اشتقت لهما، وأردت أن ترجع المودة بيننا كما كانت، ولا يعاملانني باحتقار، ولكن بدل ذلك يزدادان حيطة وحذرا ومكرا، ويصرخان علي، و يقومان بتهديدي وتجريحي وسبي، ويقولان: احمد الله أنك تأكل وتشرب مجانا.
وقد صارحت خالي بذلك لعلهما يتوبا ويهتديان، ولكن عندما أخبرهما بذلك حقدا علي أكثر، وزاد الطين بلة، ورغم أنهما بفضل مصارحتي لخالي قطعا بعض ما كانا يمكران به؛ إلا أنهما هاجا بالمكر والحيل من جهة أخرى، ولكي لا يصدقني أحد بعدها إذا شكوت صارا ينشران للناس أني مصاب بوسوسة، وأني معقد نفسيا، وأني مجنون، وأني متوهم، و و و أنا والله بخير، ولكنهما خوفا على سمعتهما ضحوا بسمعتي.
فإلى من سأشكو، وكل الناس صارت تنظر إلي نظرة احتقار بعد أن كنت مثالا في الأخلاق والتقوى.
فهل علي أن أصارح أقاربي والناس بمكر والدي وكيدهما لي؟ وهل علي أن أصارح أقاربي إذا زارونا في وجود الوالدين حتى أفحمهما وأظهرالحقيقة؟
فكيف سأنصر نفسي وأظهر الحقيقة في حين أنهما يظهران للناس الصلاح والتدين، وفي باطنهما فاسدان؟ فإني والله أخشى على نفسي في المستقبل والناس لا ترحم.
أريحوني أراح الله قلبكم وبدنكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على ثقتك بنا وكتابتك إلينا، وجزاك الله خيرا على حرصك على الاستقامة على دينك، ونسأله سبحانه أن ينفس كربك ويذهب عنك الهم والغم، وينزل الهداية والرشد على قلب والديك إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ونوصيك بالالتجاء إليه والتضرع والانكسار بين يديه فهو السميع المجيب، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم 119608، وهي عن آداب الدعاء.

وما ذكرته عن والديك من تصرفات تجاهك أمر غريب؛ لأن من المعلوم أن الغالب الشفقة من الوالدين على الولد والرأفة به وإرادة الخير له، ولكن إن صح ما ذكرت من حالهما في سب الدين؛ فماذا يرجى منهما من الخير، وكيف نستغرب سوء تعاملهما معك. وعلى كل فإننا نوصيك مع ذلك الدعاء بالصبر عليهما، والحذر من أن تصدر منك تجاههما أي إساءة، فحقهما عليك البر والإحسان على كل تقدير، وراجع الفتوى رقم: 308197. واجتهد في سبيل التسبب في هدايتهما للحق وتوبتهما إلى ربهما، فهذا من أعظم البر، ويمكنك أن تسلط عليهما بعض العلماء والأخيار عسى الله عز وجل أن يجعل هدايتهما على أيديهم، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.

ومن حقك أن تدفع التهمة عن نفسك عند من اتهمك والداك عنده بما يشين، ولكن ليكن ذلك بأدب وخلق حسن، وأما مصارحة أقاربك أمام الوالدين لإظهار الحقيقة فلا بأس بأن تفعله إن رجوت أن يكون في ذلك مصلحة وزجر لهما عن أفعالهما، وإلا فالأولى ترك ذلك؛ لأنه قد يزيدهما عنادا وسوء معاملة لك.

وإننا في الختام نوصيك بكل ما يمكن أن تخفف به عن نفسك آلامها، من تلاوة القرآن، وذكر الله، والاستغفار، والإكثار من الصلاة، والحرص على صحبة الأخيار، وملء فراغك بما ينفع من خير الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني