الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المؤهلات المطلوبة للترجيح بين المذاهب الفقهية

السؤال

كنتُ أدْرس المذهب الشافعي، في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وكنتُ وقتها مُتبعًا له في كلِّ شيء، ولكن عندما نما فكري، وجدتُ أن الحق أحق أن يُتَّبع، وأن كلاً يُؤخذ منه ويُردّ، فأصبحتُ أتوسع في النظر في المذاهب الأخرى، وأتلمس الدليل، وكثيرًا ما كنتُ أميل إلى رأي الجمهور، باعتبار أن شبه الإجماع أقرب إلى الصواب، حتى أصبحتُ لا أتبع مذهبًا بعينه، وأصبح الدليل، وتوافق جمهور العلماء، هما المعياران الأساسيان في اختياراتي الفقهية.
(١) هل ما أفعله هو المسلك الأمثل الواجب اتباعه؟!
(٢) بعد قراءتي في المسائل الفقهية، في المذاهب المختلفة، نمت داخلي قناعة مفادها أن المذهبين، الشافعي والحنبلي، هما المذهبان الأقوى، إذ أشعر أنهما مُحْكمان جدًا، يليهما المذهب المالكي، ويأتي بعد ذلك المذهب الحنفي. فبعض الآراء في المذهب الحنفي، أجدها غريبة جدًا، بل أحيانًا أجدها تخالف الجمهور، وأحيانًا لا تستند أصلاً إلى دليل، بل قد أجد أحيانًا بعض آراء الفقه الظاهري، كابن حزم، أكثر توافقًا منها مع الدليل والعقل. فهل هذا التصور صحيح؟!
(٣) عندما أفكر في عبادتي، أجد أننا قد نلَّفق بين المذاهب دون أن نشعر، فعلى سبيل المثال: نحن نتوضأ بالماء المختلط بالكلور، وفقًا للمذهب الحنفي على خلاف الآخرين، وفي الغُسل قد نتبع رأي الجمهور في عدم وجوب الدلك، خلافًا للمالكية، وفي الوضوء قد نمسح ببعض الرأس، خلافًا للحنابلة، وعند الصلاة قد نقدِّم النية على تكبيرة الإحرام بفترة يسيرة، خلافًا للشافعية.
ما أقصده أننا قد نلَّفق دون أن نشعر، وفي ظني أن التلفيق إذا لم يكن مقصودًا، وكان مبعثه هو اتباع الدليل، فليس بمذموم؛ لأنني أظن أن كلَّ مذهب به نقاط قوة، ونقاط ضعف، حتى في المسألة الواحدة، وأننا إذا جَمَعنا أقوى ما في المذاهب، فلعلنا نكون أقرب إلى الصواب، وقد سبق ليَّ أن قرأتُ كلامًا للإفتاء المصرية بهذا المعنى.
باختصار: أصبحتُ لا أتبع أيَّ مذهب، وأتلمس الدليل في كل شيء، وأميل إلى رأي الجمهور، بل أحيانًا أخالف المذهب الرسمي لبلدي مصر، وهو المذهب الحنفي، إذا كان الرأي الراجح مع غيره في مسألة أو أخرى، وفي ظني أنه لا عبرة بالمسميات، وأن الحق أو الرأي الراجح أحق أن يُتَّبع، بصرف النظر عن مسمى المذاهب، لأن كلَّ مذهب قد يصيب ويخطئ.
فما رأي حضراتكم، في كلِّ تصوراتي السابقة. هل أنا على صواب؟!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن التمذهب جائز، بشرط عدم التعصب لمذهب بعينه، وانظر الفتوى رقم: 169151، ثم إنه لا يملك القدرة على الترجيح بين المذاهب، والموازنة بين الأقوال، إلا متأهل قد حصل من العلم بالنصوص قدرا صالحا، ومن العلم بعلوم الآلة والمصطلح واللغة قدرا صالحا كذلك، وأما المبتدئ في طلب العلم، ومن لم يحكم تلك العلوم، ولم يطلع اطلاعا كافيا على النصوص، فحسبه أن يقلد من يثق بقوله من العلماء، وانظر الفتوى رقم: 169801.

والتلفيق بالمعنى الذي ذكرته وهو اتباع الصحيح في الدليل من أي مذهب كان، لا حرج فيه، بل هو الواجب على من ملك القدرة على التمييز بين الأقوال، ومعرفة صحيحها من ضعيفها، وراجع لمعرفة معنى التلفيق وأحكامه، فتاوانا التالية أرقامها: 345298، 343672، 185199.

وفيما نعلم أن مصر ليس فيها مذهب معتمد يأخذ به أهل البلد دون غيره، فكما فيها حنفية كثر، ففيها شافعية كثر، وكذلك الحال في سائر المذاهب، وهذا بخلاف كثير من الأقطار الأخرى التي لا ينتشر فيها سوى مذهب فقهي واحد، وبكل حال فنوصيك بمراجعة الفتاوى التالية: 32653، 71362، 56633.

وأما أحكامك على المذاهب قوة وضعفا، فغير مسلمة بلا شك، فإنه لا بد لك للحكم برجحان مذهب معين على غيره، من استقراء شبه تام للمذهبين، مع العلم بما يوجب ترجيح أحدهما على الآخر، وأنت لم تبلغ تلك الرتبة بعد، ومن ثم فعليك بالاجتهاد في التحصيل، مع توقير الأئمة وتعظيمهم والعلم بأن أحدا منهم لا يتعمد مخالفة النص بحال، وإذا ظهر لك رجحان قول ما فخذ به، وإلا فقلد من تثق بعلمه وورعه على ما بينا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني