الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إلزام المقلد العمل بمذهب معين فيه حرج ومشقة

السؤال

أنا أرسل إليكم وأسألكم دائما فيما يستعصي علي من أمور الدين.. ولكن مؤخرا قال لي الأصدقاء إنني باعتمادي وأخذي بفتاوى أهل المشرق, أكون خارجا على الجماعة هنا...وقال إن أهل المشرق يأخذون بمذهب الشافعية والحنابلة بينما يتبع هنا المذهب المالكي.هل صحيح أنني خارج على الجماعة هكذا ?
وجزاك الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الجماعة الواجب الاعتصام بها هي جماعة أهل السنة، والمراد أن يلتزم المسلم أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وأصول الدين.

وأما الفقه والفروع فيسوغ للمسلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يقلد أحد مذاهب أهل السنة والجماعة المتبوعة، وهي المذاهب الأربعة، الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي. وانظر الفتوى رقم: 6787.

والأولى بطالب العلم أن ينشغل بدراسة المذهب الذي يعمل به في قطره ويقضى به في محاكمه الشرعية حتى لا يشذ عن قومه، ولكن عليه أن لا يتعصب للمذهب الذي يقلده، ويظن أن غيره من المذاهب باطل..

هذا، ولقد اختلف العلماء في المقلد هل يجب عليه أن يلتزم مذهبا معينا في كل حادثة يريد أن يعرف حكم الشرع فيها أو لا يجب عليه ذلك؟ ولقد رجح الإمام النووي وغيره عدم وجوب تقليد إمام معين في كل المسائل والحوادث التي تعرض له، بل يجوز له أن يقلد أي مجتهد شاء، فلو التزم مذهبا معينا كمذهب الإمام الشافعي رحمه الله لا يجب عليه الاستمرار في تقليده، بل يجوز له أن ينتقل منه إلى مذهب آخر. قال ابن عبد البر رحمه الله: لم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى صحة خلافه، بل المنقول عنهم تقريرهم الناس على العمل بفتوى بعضهم بعضا، لأنهم كانوا على هدى من ربهم، ولم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من الأمة بالتزام مذهب معين لا يرى خلافه. اهـ.

والدليل على ذلك:

أولا: أن الشرع لا يوجد فيه ما يوجب على غير المجتهد أن يتتبع إماما معينا أو يلتزم مذهبا بعينه، وإنما أوجب عليه أن يتتبع أهل العلم ويسألهم من غير تخصيص بعالم دون عالم.

ومادام الأمر كذلك، فلا يجب على المقلد الالتزام بمذهب معين، لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى.

ثانيا: أن غير المجتهدين في عصر الصحابة ومن بعدهم كانوا يسألون أي واحد من العلماء عما يحتاجون إليه من غير التقيد بعالم أو مذهب بعينه، ولم ينكر عليهم أحد في أي عصر من العصور، فكان ذلك إجماعا منهم على أن غير المجتهد لا يجب عليه أن يحصر نفسه في مذهب معين أو يقلد إماما معينا في كل ما يعرض له من حوادث ووقائع.

ثالثا: أنه يترتب على القول بتقيد المقلد بمذهب معين الحرج والشدة، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}. فاختلاف المجتهدين في الأحكام العملية رحمة من الله وتوسعة، ومن ثم، فإن إلزام المقلد العمل بقول مذهب معين فيه حرج ومشقة.

ولهذا لما ألف الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ أعجب به الخليفة العباسي واستأذنه أن يفرقه على الأمصار، ويحمل الناس على العمل به وترك ما خالفه من الفتاوى ولو بالسيف رفض الإمام مالك رحمه الله وقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن الصحابة تفرقوا في الآفاق ورووا أحاديث غير أحاديث أهل الحجاز التي اعتمدتها، وأخذ الناس بذلك، فدعهم وما هم عليه من الأخذ بما وصل إليهم من علمائهم، وإن الله عز وجل قد جعل اختلاف علماء هذه الأمة في الفروع رحمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني