السؤال
ما حكم علاج بعض الأمراض غير السحر، والعين بالرقية الشرعية؟ كعلاج الغباء بالرقية الشرعية، أو علاج الشهوة الجنسية بالاستماع إلى الرقية الشرعية، أو النفث في الماء، والشرب منه لعلاج أشياء أخرى؛ كالغضب مثلًا؛ لأني أرى في اليوتيوب مقاطع لعلاج الشهوات بالرقية الشرعية، وعلاج الغباء، فهل هذا جائز؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله جل اسمه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}، فالاستشفاء بالقرآن من أي مرض كان؛ سواء أمراض الأبدان، أم أمراض القلوب -كالشهوات، والشبهات-، أمر مشروع، وفي القرآن بركة عظيمة، فيرجى لمن استرقى به أن تناله بركته، ويعافيه الله مما يشكو منه بلطفه، وكرمه، فلا مانع من استعمال الرقى في علاج ما ذكر؛ لأنها داخلة في عموم الأمراض التي القرآن شفاء منها -بإذن الله-، قال المحقق ابن القيم -رحمه الله-: وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ علي، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ»). وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ بَعْضَ الْكَلَامِ لَهُ خَوَاصُّ، وَمَنَافِعُ مُجَرَّبَةٌ، فَمَا الظَّنُّ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي فَضْلُهُ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ، كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، الَّذِي هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ، وَالْعِصْمَةُ النَّافِعَةُ، وَالنُّورُ الْهَادِي، وَالرَّحْمَةُ الْعَامَّةُ، الَّذِي لَوْ أُنْزِلَ عَلَى جَبَلٍ؛ لَتَصَدَّعَ مِنْ عَظَمَتِهِ، وَجَلَالَتِهِ! قَالَ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ للمؤمنين}. وقال أيضًا- رحمه الله-: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ "مِنْ" هَا هُنَا، لِبَيَانِ الْجِنْسِ، لَا لِلتَّبْعِيضِ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يُونُسَ:57]، فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ، وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ، وَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُؤَهَّلُ، وَلَا يُوَفَّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ، وَإِيمَانٍ، وَقَبُولٍ تَامٍّ، وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ، لَمْ يُقَاوِمْهُ الدَّاءُ أَبَدًا. وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطَّعَهَا! فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ، وَالْأَبْدَانِ، إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ، وَسَبَبِهِ، وَالْحَمِيَّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الطِّبِّ بَيَانُ إِرْشَادِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَى أُصُولِهِ، وَمَجَامِعِهِ، الَّتِي هِيَ حِفْظُ الصِّحَّةِ، وَالْحِمْيَةُ، وَاسْتِفْرَاغُ الْمُؤْذِي، وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ. وَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ الْقَلْبِيَّةُ، فَإِنَّهُ يَذْكُرُهَا مُفَصَّلَةً، وَيَذْكُرُ أَسْبَابَ أَدْوَائِهَا، وَعِلَاجَهَا، قَالَ: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ:51]، فَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ، فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ، فَلَا كَفَاهُ اللَّهُ. انتهى.
والله أعلم.