الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أَخبر عن غيره بأمر فقُتِل بسبب إخباره، فهل يلزمه شيء؟

السؤال

إذا قتل شخص مسلم (زيد مثلاً) من قبل شخص آخر غير مسلم (عمرو مثلاً)؛ بسبب طيش بدر من شخص ثالث مسلم قام بتحريض عمرو على قتل زيد، ولكنه قصد الإخبار، ولم يقصد التحريض -أي أن هذا التحريض لم يكن في الحقيقة لا مباشرًا ولا حتى مقصودًا-، ولم يكن يتوقع الشخص الثالث إطلاقًا أن يتم قتل زيد، بل هو حزين جدًّا على ذلك، فهل يعتبر شرعًا الشخص الثالث قاتلًا أم متسببًا في القتل؟ علمًا أن هذا الشخص الثالث يشعر بالذنب والندم، رغم أن طيشه كان بسبب مرض يؤثر على تفكيره، وقراراته بنسبة كبيرة، ولكنه يخشى أن يكون متسببًا في القتل من ناحية شرعية، فيلقى عقوبة الله تعالى في الآخرة، أم يعتبر بريئًا لا شيء عليه؟ وهل هذا القتل خطأ أم شبه عمد؟ وهل تلزمه الدية والكفارة؟ علمًا أن الشخص الثالث والمقتول كلاهما من أهل المدن.
أرجو ذكر الدليل، أو أقوال أهل العلم من فضلكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالشخص الثالث قصد الإخبار، ولم يقصد التحريض -كما ذكرت-، ولم يكن يتوقع أن يتم قتل زيد بسبب ما أخبر به عنه.

وعلى هذا؛ فلا يكون قاتلًا، ولا مشاركًا في القتل، لكنه إن كان ما قام به وشاية، يكون قد ارتكب إثمًا عظيمًا، لكن الدية، وجناية القتل إنما تجب على من باشر القتل دون من وشى أو تسبب؛ لما تقرر عند الفقهاء: أنه إذا اجتمع التسبب والمباشرة، اعتبرت المباشرة دونه. وراجع الفتوى رقم: 120799.

إلا إذا كانت الوشاية شهادة بالزور على ما يقتضي القتل، فقتل ذلك الشخص بموجبها، فإن عليه الدية، أو القصاص، كما جاء في حاشية الدسوقي المالكي على الشرح الكبير: وَدِيَةً إذَا شَهِدَا بِقَتْلٍ، وَلَوْ تَعَمَّدَا الزُّورَ فِي شَهَادَتِهِمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ؛ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا فِي الْعَمْدِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُمَا قَتَلَا نَفْسًا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ. اهـ.

وقال ابن عاصم في تحفة الحكام:

وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ فِي كُلِّ حَالٍ الْعِقَابُ يَلْزَمُهْ.

قال شارحه: وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ عَمْدًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ، وَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ بِالْجُرْحِ كَانَتْ زُورًا وَكَذِبًا، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُغَرَّمُ الدِّيَةَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدِ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني