الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: ولا تحصي فيحصي اللهُ عليكِ.. وما يدخل في معناه وما لا يدخل

السؤال

هل يمكن توضيح كيف نفهم، ونطبق حديث أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما- الذي نصحها فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا تحصي، فيحصي الله عليها.
في أوقات كثيرة نجري حسابات للمصاريف، فنقول: هذه لكذا، وهذه لكذا. وندخر بعض المال، مع مراعاة الزكاة فيه.
كيف نتقي الشر الذي حذر منه الحديث؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المقصود بهذا الحديث الحث على الإنفاق، والزجر عما يصد عن الإنفاق من البخل والإمساك، والنهي كذلك عما يؤدي إلى البخل من المبالغة في حساب وعدِّ الصدقات.

جاء في إكمال المعلم: وقوله: "ولا توعي؛ فيوعي اللهُ عليك"، وفي الرواية الأخرى: "ولا تحصي؛ فيحصي اللهُ عليكِ"، وفي غير مسلم: "ولا توكي". وكله نهي عن الإمساك والبخل، أي لا تخزن مالك في وعاءٍ، ولا تَشُدّه بوكاءٍ، وأصل الوَعْي الحفظ، وهو بمعنى الإحصاء في الحديث الآخر، والإحصاءُ: معرفهُ قَدر الشيء.
وقوله: "فيوكي الله عليك" "ويوعي" "ويحصي" على اختلاف الأحاديث، مقابلة اللفظ باللفظ، وتجنيسٌ للكلام بمثله في جزائه، أي يمنعك كما منعت، ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضلهُ كما أمْسكت، كما قال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}.

وقيل: لا تحصي ما تعطي، فتستكثرهُ نفسُك، فيكون سبب انقطاعه، ومنعك له. اهـ.

وأما حساب المرء لدخله ومصروفاته بقصد الموازنة بين ذلك، وادخار المرء بعض أمواله؛ ليستعين بها على لوازم الحياة، ونوائب الدهر، فلا يشمله النهي الذي تضمنه هذا الحديث، بل ذلك مطلوب شرعا؛ لأنه وسيلة إلى الاقتصاد في النفقة.

وقد جاء الشرع بالندب إلى ذلك، والوسائل لها أحكام المقاصد، وفي صحيح البخاري من حديث المقدام -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيلوا طعامكم، يبارك لكم فيه.

جاء في شرح ابن بطال: الكيل مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله، وندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إليه، يدل على البركة فيه.

قال المهلب: ويحتمل المعنى -والله أعلم- أنهم كانوا يأكلون بلا كيل، فيزيدون في الأكل، فلا يبلغ لهم الطعام إلى المدة التي كانوا يقدرونها، فقال لهم عليه السلام: (كيلوا) أي: أخرجوا بكيل معلوم، يبلغكم إلى المدة التي قدرتم. اهـ.

وفي الصحيحين من حديث عمر -رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح، عدة في سبيل الله.

قال ابن الجوزي: قوله: كان يأخذ نفقة سنته. فيه جواز ادخار قوت سنة، ولا يقال: هذا من طول الأمل؛ لأن الإعداد للحاجة، مستحسن شرعا وعقلا. وقد استأجر شعيب موسى عليهما السلام عشر سنين. وفي هذا رد على جهلة المتزهدين، في إخراجهم من يفعل هذا، عن التوكل. اهـ. من كشف المشكل.

وراجعي للفائدة، الفتويين: 234193 // 216799.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني